فلما تحقق الغيبة قال :{ لأعذبنه عذابا شديدا } اختلفوا في هذا العذاب الشديد ما هو ؟ فقال ابن عباس ومجاهد وابن جرير : هو أن ينتف ريشه جميعا وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين ، وقال زيد ابن رومان : هو أن ينتف ريش جناحه وقيل : يحبسه من أضداده ، وقيل : أن يمنعه من خدمته وقيل : إلقاءه في الشمس وقيل : التفريق بينه وبين إلفه . وقيل : إلزامه خدمته أقرانه . وقيل : إيداعه في القفص . وقيل : طرحه بين يدي النمل ليأكله ، وفي هذا دليل على أن العقوبة على قدر الذنب ، لا على قدر الجسد . وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه المصلحة ، كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع ، وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة .
وعن الحسن قال : كان اسم هدهد سليمان غبر ، قال الشوكاني : لا أدري من أين جاء هذا للحسن رحمه الله ، وهكذا روي عنه أن اسم النملة حرس ، وأنها قبيلة يقال لهم بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذئب ، وهو رحمه الله أروع الناس عن نقل الكذب ، ونحن نعلم أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء ، ونعلم أنه ليس للحسن إسناد متصل بسليمان أو أحد من أصحابه فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب .
وقد أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم . فإن ترخص مترخص بالرواية عنهم لمثل ما روي . حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، فليس ذلك مما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك ، بل فيما يذكر عنهم من القصص الواقعة لهم . وقد كرر التنبيه على مثل هذا عند عروض ذكر التفاسير الغريبة .
{ أو لأذبحنه } بقطع حلقومه { أو ليأتيني بسلطان مبين } هو الحجة البينة في غيبته . قال ابن عباس : السلطان المبين خبر الحق الصدق البين . وعنه قال : كل سلطان في القرآن حجة ، وذكر هذه الآية ثم قال : وأي سلطان كان للهدهد ؟ يعني أن المراد بالسلطان الحجة لا السلطان الذي هو الملك ، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث ، فكلمة ( أو ) بين الأولين للتخيير ، وفي الثالث للترديد بينه وبينهما .
قال الزمخشري : فإن قلت : قد حلف على أحد ثلاثة أشياء فحلفه على فعله لا كلام فيه ، ولكن كيف يصح حلفه على فعل الهدهد ؟ ومن أين درى أنه يأتي بسلطان ؟
قلت : لما نظم الثلاثة بأو في الحكم الذي هو الحلف ، آل كلامه إلى قولك : ليكونن أحد الأمور ، يعني إن كان الإتيان بسلطان ، لم يكن تعذيب ولا ذبح ، وإن لم يكن ، كان أحدهما ، وليس في هذا ادعاء دراية انتهى . و ( أو ) الثانية ترجع في المعنى إلى أنها بمعنى إلا وهي قيد في كل الأمرين قبلها ، فكأنه قال : لأعذبنه إلا أن يأتيني أو لأذبحنه إلا أن يأتيني بسلطان مبين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.