المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

4- إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيل إعلاء كلمته متماسكين ، كأنهم بُنيان مُحكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

وبعد أن وبخ - سبحانه - الذين يقولون مالا يفعلون ، أتبع ذلك ببيان من يحبهم الله - تعالى - فقال : { إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } .

ومبحة الله - تعالى - لشخص ، معناها : رضاه عنه ، وإكرامه له .

والصف يطلق على الأشياء التى تكون منتظمة فى مظهرها ، متناسقة فى أماكنها ، والمرصوص : هو المتلاصق الذى انضم بعضه إلى بعض . يقال : رصصت البناء ، إذا ألزقت بعضه ببعض حتى صار كالقطعة الواحدة .

والمعنى : أن الله - تعالى - يحب الذين يقاتلون فى سبيل إعلاء دينه قتالا شديدا ، حتى لكأنهم فى ثباتهم ، واجتماع كلمتهم ، وصدق يقينهم . . . بنيان قد التصق بعضه ببعض ، فلا يستطيع أحد أن ينفذ من بين صفوفه .

فالمقصود بالآية الكريمة : الثناء على المجاهدين الصادقين ، الذين يثبتون أمام الأعداء وهم يقاتلونهم ، ثباتا لا اضطراب معه ولا تزلزل .

قال الإمام الرازى : أخبر الله - تعالى - أنه يحب من يثبت فى الجهاد ، ويلزم مكانه ، كثبوت البناء المرصوص .

ويجوز أن يكون على أن يستوى أمرهم فى حرب عدوهم ، حتى يكونوا فى اجتماع الكلمة ، وموالاة بعضهم بعضا ، كالبنيان المرصوص .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

2

فهذا إخبار منه تعالى بمحبة عباده المؤمنين إذا اصطفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى ، يقاتلون في سبيل الله مَن كفر بالله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا هُشَيْم ، قال مُجالد أخبرنا عن أبي الودَّاك ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث يضحك الله إليهم : الرجل يقوم من الليل ، والقوم إذا صفوا للصلاة ، والقوم إذا صفوا للقتال " .

ورواه ابن ماجة من حديث مجالد ، عن أبي الوَدَّاك جبر بن نوف ، به{[28775]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نُعَيم الفضل بن دُكَيْن ، حدثنا الأسود - يعني ابن شيبان - حدثني يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير قال : قال مُطرف : كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه ، فلقيته فقلت : يا أبا ذر ، كان يبلغني عنك حديث ، فكنت أشتهي لقاءك ، فقال : لله أبوك ! فقد لقيت ، فهات . فقلت : كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم أن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة ؟ قال : أجل ، فلا إخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم . قلت : فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله ؟ قال : رجل غزا في سبيل الله ، خرج محتسبا مجاهدا فلقي العدو فقتل ، وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ، ثم قرأ { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } وذكر الحديث .

هكذا أورد هذا الحديث من هذا الوجه بهذا السياق ، وبهذا اللفظ ، واختصره ، وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث شعبة ، عن منصور بن المعتمر ، عن رِبْعي بن حِرَاش ، عن زيد بن ظَبْيان ، عن أبي ذَرّ بأبسط من هذا السياق وأتم{[28776]} وقد أوردناه في موضع آخر ، ولله الحمد .

وعن كعب الأحبار أنه قال : يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : " عبدي المتوكل المختار ليس بفَظّ ولا غَليظ ولا صَخَّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة ، وهجرته بطابة ، وملكه بالشام ، وأمته الحمادون يحمَدُون الله على كلّ حال ، وفي كل منزلة ، لهم دَوِيٌّ كدوي النحل في جو السماء بالسحَر ، يُوَضّون أطرافهم ، ويأتزرون على أنصافهم ، صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة ، " ثم قرأ : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } رعاة الشمس ، يصلون الصلاة حيث أدركتهم ، ولو على ظهر دابة " رواه بن أبي حاتم .

وقال سعيد بن جبير في قوله :{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم ، وهذا تعليم من الله للمؤمنين . قال : وقوله : { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } ملتصق بعضه في بعض ، من الصف في القتال . وقال مقاتل بن حيان : ملتصق بعضه إلى بعض . وقال ابن عباس : { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } مُثَبّت ، لا يزول ، ملصق بعضه ببعض . وقال قتادة : { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } ألم تر إلى صاحب البنيان ، كيف لا يحب أن يختلف بنيانه ؟ فكذلك الله عز وجل [ يحب أن ]{[28777]} لا يختلف أمره ، وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم ، فعليكم بأمر الله ، فإنه عصمة لمن أخذ به . أورد ذلك كله ابن أبي حاتم .

وقال ابن جرير : حدثني سعيد بن عَمرو السكوني ، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي بحرية{[28778]} قال : كانوا يكرهون القتال على الخيل ، ويستحبون القتال على الأرض ، لقول الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } قال : وكان أبو بحرية{[28779]} يقول : إذا رأيتموني التفتُّ في الصف فَجَثُوا في لَحيي{[28780]} .


[28775]:- (4) المسند (3/80) وسنن ابن ماجة برقم (200) وقال البوصيري في الزوائد (1/87): "هذا إسناد فيه مقال، مجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم في صحيحه فإنما روى له مقرونًا بغيره قال ابن عدى: عامة ما يرويه غير محفوظ".
[28776]:- (1) سنن الترمذي برقم (2568) وسنن النسائي (5/84، 3/207) وقال الترمذي: "هذا حديث صحيح".
[28777]:- (2) زيادة من م، أ.
[28778]:- (3) في أ: "عن أبي يحيى به".
[28779]:- (4) في أ: "أبو بحيرة".
[28780]:- (5) تفسير الطبري (28/57).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مّرْصُوصٌ } .

يقول تعالى ذكره للقائلين : لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملناه حتى نموت : إنّ اللّهَ أيها القوم يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ كأنهم ، يعني في طريقه ودينه الذي دعا إليه صَفّا يعني بذلك أنهم يقاتلون أعداء الله مصطفين .

وقوله : { كأنّهُمْ بُنْيان مَرْصُوصٌ }يقول : يقاتلون في سبيل الله صفا مصطفا ، كأنهم في اصطفافهم هنالك حيطان مبنية قد رصّ ، فأحكم وأتقن ، فلا يغادر منه شيئا ، وكان بعضهم يقول : بني بالرصاص . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا كأنّهُم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ } ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحبّ أن يخلف بنيانه ، كذلك تبارك وتعالى لا يختلف أمره ، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم ، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا كأنّهُم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ قال : والذين صدّقوا قولهم بأعمالهم هؤلاء قال : وهؤلاء لم يصدّقوا قولهم بالأعمال لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم نكصوا عنه وتخلّفوا .

وكان بعض أهل العلم يقول : إنما قال الله إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا ليدلّ على أن القتال راجلا أحبّ إليه من القتال فارسا ، لأن الفرسان لا يصطفون ، وإنما تصطف الرجالة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن أبي بكر ابن أبي مريم ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي بحرية ، قال : كانوا يكرهون القتال على الخيل ، ويستحبون القتال على الأرض ، لقول الله : إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا كأنّهُم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ قال : وكان أبو بحرية يقول : إذا رأيتموني التفتّ في الصفّ ، فجئوا في لحيي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا مصطفين مصدر وصف به كأنهم بنيان مرصوص في تراصهم من غير فرجة حال من المستكن في الحال الأول والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه .