المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا} (67)

67- وإذا أصابكم الأذى وتعرَّضتم للمخاطر في البحر ، غاب عنكم كل من تدعونه في حوائجكم من الأصنام ، إلا الله - وحده - فإنكم لا تذكرون سواه ، فلما نجَّاكم من الغرق ، وأخرجكم إلى البر ، أعرضتم عن توحيده وكفرتم النعمة ، وشأن الإنسان دائماً جحد النعمة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا} (67)

ثم انتقل - سبحانه - من الحديث عن مظاهر نعمه عليهم ، فى حال سوق السفن ودفعها بهم فى البحر برفق وأناة ، إلى بيان رعايته لهم فى حال اضطرابها وتعرضها للغرق ، بسبب هيجان البحر وارتفاع أمواجه ، فقال - تعالى - : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ . . . } .

والمس : اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإِحساس والإِصابة ، والمراد به هنا : ما يعتريهم من خوف وفزع ، وهم يرون سفينتهم توشك على الغرق .

والمراد بالضر هنا : اضطراب الفلك ، وارتفاع الأمواج ، واشتداد العواصف ، وتعرضهم للموت من كل مكان .

المعنى : وإذا أحاطت بكم الأمواج من كل جانب وأنتم على ظهور سفنكم وأوشكتم على الغرق . . ذهب وغاب عن خواطركم وأذهانكم ، كل معبود سوى الله - عز وجل - لكى ينقذكم مما أنتم فيه من بلاء ، بل إياه وحده - سبحانه - تدعون ليكشف عنكم ما نزل بكم من سوء .

فالجملة الكريمة تصوير مؤثر بديع لبيان أن الإِنسان عند الشدائد والمحن لا يتجه بدعائه وضراعته إلا إلى الله - تعالى - وحده .

قال القرطبى : " { ضل } معناه ؛ تَلِف وفُقد وهى عبارة عن تحقير لمن يدعى إلهًا من دون الله .

والمعنى فى هذه الآية : أن الكفار إنما يعتقدون فى أصنامهم أنها شافعة ، وأن لها فضلاً ، وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علمًا لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها فى الشدائد ، فوقَّفهم الله من ذلك على حالة البحر حيث تنقطع الحيل " .

وقال الإِمام ابن كثير : " يخبر تبارك وتعالى أن الناس إذا مسهم ضر دعوه منيبين إليه مخلصين له الدين ، ولهذا قال - تعالى - : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } أى : ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله - تعالى - كما اتفق لعكرمة بن أبى جهل ، لما ذهب فارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة ، فذهب هاربًا فركب فى البحر ليدخل الحبشة ، فجاءتهم ريح عاصف ، فقال القوم بعضهم لبعض : إنه لا يغنى عنكم إلا أن تدعو الله وحده .

فقال عكرمة فى نفسه : والله إن كان لا ينفع فى البحر غيره ، فإنه لا ينفع فى البر غيره ، اللهم لك على عهد لئن أخرجتنى منه ، لأذهبن فلأضعن يدى فى يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رءوفًا رحيمًا . فخرجوا من البحر ، فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه - رضى الله عنه " .

وقوله - تعالى - : { فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُوراً } بيان لطبيعة الإِنسان إلا من عصم الله .

أى : فلما نجاكم الله - تعالى - بلطفه وإحسانه : من الغرق ، وأوصلكم سالمين إلى البر ، أعرضتم عن طاعته ، وتركتم دعاءه والضراعة إليه ، وكان الإِنسان الفاسق عن أمر ربه ، { كفورا } أى : كثير الكفران والجحود لنعم ربه - عز وجل - .

قال الألوسى ما ملخصه : " وقوله : { وَكَانَ الإنسان كَفُوراً } كالتعليل للإِعراض ، ويعلم منه حكم أولئك المخاطبين ، وفيه لطافة حيث أعرض - سبحانه - عن خطابهم بخصوصهم ، وذكر أن جنس الإِنسان مجبول على الكفران ، فلما أعرضوا أعرض الله - تعالى - عنهم " .

وفى معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة . منها قوله - تعالى - { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } وقوله - سبحانه - : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا} (67)

يخبر تعالى أنه إذا مس الناس ضرّ ، دعوه منيبين إليه ، مخلصين له الدين ؛ ولهذا قال : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } أي : ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله ، كما اتفق لعكرمة بن أبي جهل لما ذهب فارًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة ، فذهب هاربًا ، فركب في البحر ليدخل الحبشة ، فجاءتهم{[17661]} ريح عاصف ، فقال القوم بعضهم لبعض : إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعو الله وحده . فقال عكرمة في نفسه : والله لئن كان لا ينفع في البحر غيره ، فإنه لا ينفع في البر غيره ، اللهم لك عليّ عهد ، لئن أخرجتني منه لأذهبن فَأضعن{[17662]} يدي في يديه{[17663]} ، فلأجدنه رءوفًا رحيمًا . فخرجوا من البحر ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن{[17664]} إسلامه ، رضي الله عنه وأرضاه .

وقوله : { فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ } أي : نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر ، وأعرضتم عن دعائه وحده لا شريك له .

{ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا } أي : سَجِيَّتُه هذا ، ينسى النعم ويجحدها ، إلا من عصم الله .


[17661]:في ف: "فجاءهم".
[17662]:في ت: "فأضع"، وفي ف: "فلأضعن".
[17663]:في أ: "يدي محمد".
[17664]:في ت: " صلى الله عليه وسلم فأحسن".