تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا} (67)

الآية67 : وقوله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } أي بطل مات كانوا يأملون من عبادتهم الأصنام إلا العبادة التي كانت لله فإنها{[11074]} لم تبطل لما{[11075]} يؤمل من عبادته إياه ، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ، { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله }( يونس : 18 ) ويقولون{[11076]} : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }( الزمر : 3 )فأخبر عز و جل عن سفههم لعبادتهم الأصنام وعجزهم عما يأملون منها في الآخرة حين{[11077]} لم يملكوا دفع شيء مسهم وكشف ما أصابهم في الدنيا . فكيف يأملون ذلك في الآخرة ؟

أو يكون { ضل من تدعون إلا إياه }أي ضل الآلهة التي عبدوها دون الله إلا إله المستحق للعبادة فإنه أعانكم ، ونجاكم من الهلاك .

وقوله تعالى : { فلما نجاكم إلى البر أعرضتم }هكذا كانت عادتهم : أنهم إذا خافوا الهلاك على أنفسهم أخلصوا الدعاء كقوله : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين }الآية( العنكبوت : 65 )وكقوله : { وجاءكم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين } { فلما أنجاهم إذا ( هم يبغون في الأرض بغير الحق } الآية ( يونس : 22و23 ) ){[11078]}

ويحتمل قوله : { فلما نجاكم إلى البر أعرضتم } عن وفاء ما عاهدتم وإنجاز ما وعدتم لأنهم قالوا : { لئن أنجينا من هذه لنكونن من الشاكرين }( يونس/22 ) فأعرضوا عن هذا الوعد ، ولم يوفوا ذلك .

وقوله تعالى : { وكان الإنسان كفورا } لنعم ربه ؛ يذكر سفههم من وجهين :

أحدهما : عبادتهم من يعملون أنه لا ينعم عليهم في حال الرخاء ، ولا يدفع عنهم البلاء في حال الشدة .

والثاني : أن الشاهد من أنعم على آخر نعمة ، وأحسن إليه ،

يشكر له ، ويثني عليه . وإذا حل به بلاء وشدة من أحد من الخلائق يدعو عليه ، ويلعنه .

فمعاملة أولئك الكفرة مع الله على خلاف معاملة الخلق بعضهم بعضا : يخلصون له الدعاء في حال الشدة والبلاء ، ويكفرون {[11079]} نعمه في حال الرخاء ، والله أعلم .


[11074]:في الأصل و.م : فإنه.
[11075]:في الأصل و.م: ما لم.
[11076]:في لأصل و.م: و.
[11077]:في الأصل و.م : حيث.
[11078]:في الأصل و.م : {فريق منكم بربكم يشركون}(النحل:54).
[11079]:الواو ساقطة من الأصل.