البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا} (67)

والضر في البحر الخوف من الغرق باضطرابه وعصف الريح ، ومعنى { ضل } ذهب عن أوهامكم من تدعونه إلهاً فيشفع أو ينفع ، أو { ضل } من تعبدونه إلاّ الله وحده فتفردونه إذ ذاك بالالتجاء إليه والاعتقاد أنه لا يكشف الضر إلاّ هو ولا يرجون لكشف الضر غيره .

ثم ذكر حالهم إذ كشف عنهم من إعراضهم عنه وكفرانهم نعمة إنجائهم من الغرق ، وجاءت صفة { كفوراً } دلالة على المبالغة ، ثم لم يخاطبهم بذلك بل أسند ذلك إلى الإنسان لطفاً بهم وإحالة على الجنس إذ كل أحد لا يكاد يؤدّي شكر نعم الله .

وقال الزجاج : المراد بالإنسان الكفار ، والظاهر أن { إلاّ إياه } استثناء منقطع لأنه لم يندرج في قوله { من تدعون } إذ المعنى ضلت آلهتهم أي معبوداتهم وهم لا يعبدون الله .

وقيل : هو استثناء متصل وهذا على معنى ضل من يلجؤون إليه وهم كانوا يلجؤون في بعض أمورهم إلى معبوداتهم ، وفي هذه الحالة لا يلجؤون إلاّ إلى الله والهمزة في { أفأمنتم } للإنكار .