المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

38- وكذلك أهلكنا عادا وثمود وأصحاب الرَّسَ{[156]} لما كذبوا رسلهم ، وأهلكنا أمماً كثيرة كانوا بين أمة نوح وبين عاد فأصابهم جزاء الظالمين .


[156]:الرس: كما جاء في مفردات الراغب الأصفهاني: هو واد، وقد استشهد يقول الشاعر: (وهن الوادي الرس كاليد للفم) أصحاب الرس كما جاء في الآية الكريمة: قوم كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله لهم، فهم ممن أرسل فيهم شعيب ـ عليه السلام ـ وقد عبر الله سبحانه وتعالي عن قوم شعيب مرة بأصحاب الأيكة ـ وهو مكان الذي يكثر فيه شجر امتاز بالنعومة ـومرة بأصحاب الرس ـ وهو واد فيه خير عظيم ـ للإشارة إلي ما كانوا فيه من نعيم أنعم الله به عليهم، فكفروا بأنعمه، وعبدوا الأوثان.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

ثم ذكر - سبحانه - بضع من جاء بعد قوم نوح فقال : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ } أى : ودمرنا وأهلكنا قوم عاد بسبب تكذيبهم لنبيهم هود - عليه السلام- ، كما أهلكنا قوم ثمود بسبب تكذيبهم لنبيهم صالح - عليه السلام - .

وقوله - تعالى - : { وَأَصْحَابَ الرس } معطوف على ما قبله . أى : وأهلكنا أصحاب الرس . كما أهلكنا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود .

والرس فى لغة العرب : البئر التى لم تبن بالحجارة ، وقيل : البئر مطلقا ، ومنه قول الشاعر :

وهم سائرون إلى أرضهم . . . فياليتهم يحفرون الرساسا

أى : فيا ليتهم يحفرون الآبار .

وللمفسرين فى حقيقة أصحاب الرس أقوال : فمنهم من قال إنهم من بقايا قبيلة ثمود ، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه ورَسُّوه فى تلك البئر أى : ألقوا به فيها ، فأهلكهم الله - تعالى - .

وقيل : هم قومه كانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم شعيبا - عليه السلام - فكذبوه فبينما هم حول الرس - أى البئر - فانهارت بهم ، وخسف الله - تعالى - بهم الأرض . وقيل : الرس بئر بأنطاكية ، قتل أهلها حبيبا النجار وألقوه فيها . . .

واختار ابن جرير - رحمه الله - أن أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود ، الذين ذكروا فى سورة البروج .

وقد ذكر بعض المفسرين فى شأنهم روايات ، رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها نكارتها .

واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } يعود إلى عاد وثمود وأصحاب الرس ، والقرون : جمع قرن .

والمراد به هنا : الجيل من الناس الذين اقترنوا فى الوجود فى زمان واحد من الأزمنة .

أى : وأهلكنا قرونا كثيرة بين قوم عاد وثمود وأصحاب الرس . لأن تلك القرون سارت على شاكلة أمثالهم من الكافرين والفاسقين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

21

وهؤلاء عاد وثمود وأصحاب الرس والقرون الكثيرة بين ذلك كلهم لاقوا ذات المصير بعد أن ضربت لهم الأمثال ، فلم يتدبروا القول ، ولم يتقوا البوار والدمار . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

انتصبت الأسماء الأربعة بفعل محذوف دل عليه { تبرنا } . وفي تقديمها تشويق إلى معرفة ما سيخبر به عنها . ويجوز أن تكون هذه الأسماء منصوبة بالعطف على ضمير النصب من قوله : { فدمرناهم تدميراً } [ الفرقان : 36 ] .

وتنوين { عاداً وثموداً } مع أن المراد الامتان . فأما تنوين { عاداً } فهو وجه وجيه لأنه اسم عري عن علامة التأنيث وغيرُ زائد على ثلاثة أحرف فحقه الصرف . وأما صَرْف { ثموداً } في قراءة الجمهور فعلى اعتبار اسم الأب ، والأظهر عندي أن تنوينه للمزاوجة مع { عَاداً } كما قال تعالى : { سَلاَسِلاً وأَغْلاَلاً وسعيراً } [ الإنسان : 4 ] .

وقرأه حمزة وحفص ويعقوب بغير تنوين على ما يقتضيه ظاهر اسم الأمة من التأنيث المعنوي . وتقدم ذكر عاد في سورة الأعراف .

وأما { أصحاب الرسّ } فقد اختلف المفسرون في تعيينهم واتفقوا على أن الرسّ بئر عظيمة أو حفير كبير . ولما كان اسماً لنوع من أماكن الأرض أطلقه العرب على أماكن كثيرة في بلاد العرب .

قال زهير :

بكَرْنَ بُكُوراً واستحرْنَ بسَحرة *** فهنّ ووادِي الرسّ كاليد للفم

وسمّوا بالرّسّ ما عرفوه من بلاد فارس ، وإضافة { أصحاب } إلى { الرس } إما لأنهم أصابهم الخسف في رسّ ، وإما لأنهم نازلون على رسّ ، وإما لأنهم احتفروا رسّاً ، كما سمي أصحاب الأخدود الذين خدّوه وأضرموه . والأكثر على أنه من بلاد اليمامة ويسمى « فَلَجا »{[293]} .

واختلف في المعنيّ من { أصحاب الرس } في هذه الآية فقيل هم قوم من بقايا ثمود . وقال السهيلي : هم قوم كانوا في عَدن أُرسل إليهم حنظلة بن صفوان رسولاً . وكانت العنقاء وهي طائر أعظم ما يكون من الطير ( سميت العنقاء لطول عنقها ) وكانت تسكن في جبل يقال له « فتح »{[294]} ، وكانت تنقضّ على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأهلكها الله بالصواعق . وقد عبدوا الأصنام وقتلوا نبيئهم فأهلكهم الله . قال وهب بن منبه : خسف بهم وبديارهم . وقيل : هم قوم شعيب . وقيل : قوم كانوا مع قوم شعيب ، وقال مقاتل والسدّي : الرسّ بئر بأنطاكية ، وأصحاب الرسّ أهل أنطاكية بُعث إليهم حبيب النجّار فقتلوه ورسُّوه في بئر وهو المذكور في سورة يس ( 20 ) { وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } الآيات . وقيل : الرس وادٍ في أذربيجان في أرَّان يخرج من قاليقَلا ويصب في بحيرة جُرجان ولا أحسب أنه المراد في هذه الآية . ولعله من تشابه الأسماء يقال : كانت عليه ألف مدينة هلكت بالخسف ، وقيل غير ذلك مما هو أبعد .

والقرون : الأمم فإن القرن يطلق على الأمة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } في أول الأنعام ( 6 ) . وفي الحديث : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم الحديث .

والإشارة في قوله : { بين ذلك } إلى المذكور من الأمم .

ومعنى { بين ذلك } أن أُمَماً تخللت تلك الأقوام ابتداءً من قوم نوح .

وفي هذه الآية إيذان بطولِ مُدَد هذه القرون وكثرتها .


[293]:- فلج بفتحتين. وقال ياقوت: بفتح فسكون اسم بلد، ويقال: بطن فلج من حمى ضرية، هو أول الدهناء.
[294]:- بفاء أخت القاف ومثناة فوقية بعدها خاء معجمة وقيل حاء مهملة: جبل أو قرية لأهل الرس لم يذكره ياقوت وكر فِتاح وقال: جمع فتح وقال: ارض بالدهناء ذات رمال