قوله تعالى : { وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرس } الآية ، «وعَادَاً » فيه ثلاثة أوجه :
أن يكون معطوفاً على «قَوْمِ نُوح »{[36145]} ، وأن يكون معطوفاً على مفعول «جَعَلْنَاهُمْ »{[36146]} وأن يكون معطوفاً على محل «لِلظَّالِمِينَ » لأنه في قوة وعدنا الظالمين بعذاب{[36147]} . قوله : «وأَصْحَابَ الرَّسِّ » فيه{[36148]} وجهان :
أحدهما : ( أنه ) {[36149]} من عطف المغاير ، وهو الظاهر .
والثاني : أنه من عطف بعض الصفات على بعض .
والمراد ب «أَصْحَابَ الرَّسِّ » ثمود ، لأن الرّسّ البئر التي{[36150]} لم تطو عن أبي عبيدة{[36151]} ، وثمود أصحاب آبار . وقيل : «الرَّسُّ » نهر بالمشرق ( وكانت قرى أصحاب الرس على شاطئ فبعث الله إليهم نبياً من أولاد يهودا{[36152]} بن يعقوب فكذبوه ، فلبثت فيهم زماناً يشتكي إلى الله منهم ، فحفروا بئراً ورسوه فيها ، وقالوا : نرجو أن يرضى عنا إلهنا ، وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول : إلهي ترى ضيق مكاني ، وشدة كربي ، وضعف قلبي ، وقلة{[36153]} صلتي فجعل قبض روحي حتى مات ، فأرسل الله ريحاً عاصفة شديدة الحر ، وصارت الأرض من تحتهم كبريتاً متوقداً{[36154]} ، وأظلتهم{[36155]} سحابة سوداء ، فذابت أبدانهم كما يذوب{[36156]} الرصاص ) {[36157]} ويقال : إنهم{[36158]} أناس عبدة أصنام قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي ؛ دسوه{[36159]} فيها{[36160]} وقال قتادة والكلبي : الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم وهو حنظلة بن صفوان{[36161]} وقيل : هم بقية ثمود قوم صالح ، وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى{[36162]} في قوله : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }{[36163]} [ الحج : 45 ] . وقال كعب ومقاتل والسدي : الرس{[36164]} بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النجار ، ورسوه في بئر ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة يس{[36165]} . وقيل : هم أصحاب الأخدود ، والرس هو الأخدود الذي حفروه{[36166]} .
وقال عكرمة : هم قوم رسوا{[36167]} نبيهم في بئر{[36168]} . وقيل : الرس المعدن ، وجمعه رساس{[36169]} وروي{[36170]} عن علي - رضي الله عنه - : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة الصَّنَوْبَر وسموا أصحاب الرس ؛ لأنهم رسوا نبيهم في الأرض{[36171]} . وروى ابن جرير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله بعث نبياً إلى أهل قرية ، فلم يؤمن به من أهل القرية أحد إلا عبد أسود ، ثم إنهم حفروا للرسول بئراً وألقوه فيها ، ثم طبقوا عليها حجراً ضخماً ، وكان ذلك الرجل الأسود يحتطب ويشتري له طعاماً وشراباً ، ويرفع الصخرة ويدليه إليه ، فكان ذلك ما شاء الله فاحتطب يوماً ، فلما أراد أن يحملها وجد نوماً{[36172]} ، فاضطجع{[36173]} ، وضرب الله على أذنه تسع سنين ، ثم هَبّ{[36174]} واحتمل حزمته واشترى طعاماً وشراباً ، وذهب إلى الحفرة فلم يجد أحداً ، وكان قومه قد استخرجوه فآمنوا به ، وصدقوه ، وكان ذلك النبي يسألهم عن الأسود ، ويقول لهم إنه{[36175]} أول من يدخل الجنة{[36176]} » .
قوله : ( «وقُروناً » ){[36177]} أي : وأهلكنا قروناً كثيرة{[36178]} بين عاد وأصحاب الرس{[36179]} والقرون : جمع قرن ، قال عليّ - رضي الله عنه - : القرن أربعون سنة ، وهو قول النخعي . وقيل : مائة وعشرون سنة . وقيل غير ذلك{[36180]} . وتقدم الكلام عليه في سورة سبحان عند قوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء : 17 ] .
قوله : «بَيْنَ ذَلك » «ذلك » إشارة إلى من تقدم ذكره ، وهم جماعات ، فلذلك حسن دخول «بَيْنَ » عليه{[36181]} . وقد يذكر الذاكر بحوثاً ثم يشير إليها بذلك ، ويحسب الحاسب أعداداً متكاثرة ، ثم يقول : فذلك كيت وكيت ، أي ذلك المحسوب أو المعدود{[36182]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.