اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

قوله تعالى : { وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرس } الآية ، «وعَادَاً » فيه ثلاثة أوجه :

أن يكون معطوفاً على «قَوْمِ نُوح »{[36145]} ، وأن يكون معطوفاً على مفعول «جَعَلْنَاهُمْ »{[36146]} وأن يكون معطوفاً على محل «لِلظَّالِمِينَ » لأنه في قوة وعدنا الظالمين بعذاب{[36147]} . قوله : «وأَصْحَابَ الرَّسِّ » فيه{[36148]} وجهان :

أحدهما : ( أنه ) {[36149]} من عطف المغاير ، وهو الظاهر .

والثاني : أنه من عطف بعض الصفات على بعض .

والمراد ب «أَصْحَابَ الرَّسِّ » ثمود ، لأن الرّسّ البئر التي{[36150]} لم تطو عن أبي عبيدة{[36151]} ، وثمود أصحاب آبار . وقيل : «الرَّسُّ » نهر بالمشرق ( وكانت قرى أصحاب الرس على شاطئ فبعث الله إليهم نبياً من أولاد يهودا{[36152]} بن يعقوب فكذبوه ، فلبثت فيهم زماناً يشتكي إلى الله منهم ، فحفروا بئراً ورسوه فيها ، وقالوا : نرجو أن يرضى عنا إلهنا ، وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول : إلهي ترى ضيق مكاني ، وشدة كربي ، وضعف قلبي ، وقلة{[36153]} صلتي فجعل قبض روحي حتى مات ، فأرسل الله ريحاً عاصفة شديدة الحر ، وصارت الأرض من تحتهم كبريتاً متوقداً{[36154]} ، وأظلتهم{[36155]} سحابة سوداء ، فذابت أبدانهم كما يذوب{[36156]} الرصاص ) {[36157]} ويقال : إنهم{[36158]} أناس عبدة أصنام قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي ؛ دسوه{[36159]} فيها{[36160]} وقال قتادة والكلبي : الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم وهو حنظلة بن صفوان{[36161]} وقيل : هم بقية ثمود قوم صالح ، وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى{[36162]} في قوله : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }{[36163]} [ الحج : 45 ] . وقال كعب ومقاتل والسدي : الرس{[36164]} بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النجار ، ورسوه في بئر ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة يس{[36165]} . وقيل : هم أصحاب الأخدود ، والرس هو الأخدود الذي حفروه{[36166]} .

وقال عكرمة : هم قوم رسوا{[36167]} نبيهم في بئر{[36168]} . وقيل : الرس المعدن ، وجمعه رساس{[36169]} وروي{[36170]} عن علي - رضي الله عنه - : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة الصَّنَوْبَر وسموا أصحاب الرس ؛ لأنهم رسوا نبيهم في الأرض{[36171]} . وروى ابن جرير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله بعث نبياً إلى أهل قرية ، فلم يؤمن به من أهل القرية أحد إلا عبد أسود ، ثم إنهم حفروا للرسول بئراً وألقوه فيها ، ثم طبقوا عليها حجراً ضخماً ، وكان ذلك الرجل الأسود يحتطب ويشتري له طعاماً وشراباً ، ويرفع الصخرة ويدليه إليه ، فكان ذلك ما شاء الله فاحتطب يوماً ، فلما أراد أن يحملها وجد نوماً{[36172]} ، فاضطجع{[36173]} ، وضرب الله على أذنه تسع سنين ، ثم هَبّ{[36174]} واحتمل حزمته واشترى طعاماً وشراباً ، وذهب إلى الحفرة فلم يجد أحداً ، وكان قومه قد استخرجوه فآمنوا به ، وصدقوه ، وكان ذلك النبي يسألهم عن الأسود ، ويقول لهم إنه{[36175]} أول من يدخل الجنة{[36176]} » .

قوله : ( «وقُروناً » ){[36177]} أي : وأهلكنا قروناً كثيرة{[36178]} بين عاد وأصحاب الرس{[36179]} والقرون : جمع قرن ، قال عليّ - رضي الله عنه - : القرن أربعون سنة ، وهو قول النخعي . وقيل : مائة وعشرون سنة . وقيل غير ذلك{[36180]} . وتقدم الكلام عليه في سورة سبحان عند قوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء : 17 ] .

قوله : «بَيْنَ ذَلك » «ذلك » إشارة إلى من تقدم ذكره ، وهم جماعات ، فلذلك حسن دخول «بَيْنَ » عليه{[36181]} . وقد يذكر الذاكر بحوثاً ثم يشير إليها بذلك ، ويحسب الحاسب أعداداً متكاثرة ، ثم يقول : فذلك كيت وكيت ، أي ذلك المحسوب أو المعدود{[36182]} .


[36145]:انظر إعراب القرآن للنحاس 3/161، البحر المحيط 6/498.
[36146]:قال الزجاج. معاني القرآن وإعراب 4/69، وقال النحاس: (وهو أولى: لأنه أقرب إليه) إعراب القرآن 3/161، ورده ابن الأنباري، فإنه قال: (ولا يجوز أن يكون بالعطف على "وجعلناهم" البيان 2/205، ولا وجه له لأن جميع هذه الأمم قد صارت آية لمن أتوا بعدهم من الأمم.
[36147]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/69، الكشاف 3/97، البحر المحيط 6/498.
[36148]:فيه: سقط من ب.
[36149]:أنه: تكملة ليست في المخطوط.
[36150]:التي: سقط من ب.
[36151]:في النسختين: عبيد. كذا نقل عنه الزمخشري الكشاف 3/97. والفخر الرازي 24/82، والذي ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/75 أن الرس: المعدن.
[36152]:في ب: هودا. والتصويب من الفخر الرازي.
[36153]:في ب: قلته.
[36154]:في ب: فيوقده. والتصويب من الفخر الرازي.
[36155]:في ب: وأضلتهم. والتصويب من الفخر الرازي.
[36156]:انظر الفخر الرازي 24/ 82 – 83، البحر المحيط 6/499.
[36157]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[36158]:في الأصل: أنه.
[36159]:في ب: ودسوه.
[36160]:انظر الكشاف 3/97، البحر المحيط 6/499.
[36161]:انظر البغوي 6/178، الكشاف 3/97، الفخر الرازي 24/82، البحر المحيط 6/498 – 499.
[36162]:تعالى: سقط من ب.
[36163]:[الحج: 45]. وانظر البغوي 6/178.
[36164]:في ب: البئر.
[36165]:في قوله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ..} الخ [يس: 13 وما بعدها]. انظر البغوي 6/178، تفسير ابن عطية 11/40، القرطبي 13/32، البحر المحيط 6/499.
[36166]:انظر البغوي 6/178، الفخر الرازي 24/82، البحر المحيط 6/499.
[36167]:في ب: دسوا.
[36168]:انظر البغوي 6/178.
[36169]:المرجع السابق واللسان (رسس).
[36170]:في ب: روي.
[36171]:انظر تفسير ابن عطية 11/40، الفخر الرازي 24/82، القرطبي 13/32، البحر المحيط 6/499.
[36172]:في ب: قوما ما. وهو تحريف.
[36173]:في ب: واضطجع.
[36174]:في ب: ذهب.
[36175]:أنه: مكرر في ب.
[36176]:جامع البيان 19/10-11.
[36177]:ما بين القوسين بياض في ب.
[36178]:في ب: كثيرا.
[36179]:انظر البغوي 6/179.
[36180]:انظر الفخر الرازي 24/83، اللسان (قرن).
[36181]:انظر البحر المحيط 6/499.
[36182]:انظر الفخر الرازي 24/83.