فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

وانتصاب { عَاداً } بالعطف على قوم نوح ، وقيل على محل الظالمين ، وقيل : على مفعول جعلناهم { وَثَمُود } معطوف على عاداً ، وقصة عاد وثمود قد ذكرت فيما سبق { وأصحاب الرس } الرسّ في كلام العرب : البئر التي تكون غير مطوية ، والجمع رساس كذا قال أبو عبيدة ، ومنه قول الشاعر :

وهم سائرون إلى أرضهم *** تنابلة يحفرون الرّساسا

قال السدّي : هي بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار ، فنسبوا إليها ، وهو صاحب يس الذي قال : { قال يَاقَوْم اتبعوا المرسلين } [ يس : 20 ] وكذا قال مقاتل ، وعكرمة ، وغيرهما . وقيل هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياءهم ، فجفت أشجارهم وزروعهم ، فماتوا جوعاً وعطشاً . وقيل كانوا يعبدون الشجر ، وقيل كانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم شعيباً فكذبوه وآذوه . وقيل هم قوم أرسل الله إليهم نبياً فأكلوه ، وقيل هم أصحاب الأخدود . وقيل إن الرسّ : هي البئر المعطلة التي تقدّم ذكرها ، وأصحابها أهلها . وقال في الصحاح : والرسّ اسم بئر كانت لبقية ثمود ، وقيل الرسّ : ماء ونخل لبني أسد ، وقيل الثلج المتراكم في الجبال . والرسّ : اسم واد ، ومنه قول زهير :

بكرن بكوراً واستحرن بسحرة *** فهنّ لوادي الرسّ كاليد للفم

والرسّ أيضاً : الإصلاح بين الناس والإفساد بينهم ، فهو من الأضداد . وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان ، وهم الذين ابتلاهم الله بالطائر المعروف بالعنقاء { وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً } معطوف على ما قبله ، والقرون جمع قرن : أي أهل قرون ، والقرن : مائة سنة ، وقيل مائة وعشرون . وقيل القرن أربعون سنة ، والإشارة بقوله : { بَيْنَ ذلك } إلى ما تقدّم ذكره من الأمم . وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك .

/خ44