فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

{ وَ } اذكر { عادا } قوم هود { وَثَمُودَ } قوم صالح ، وقصتهما قد ذكرت فيما سبق ، وثمود بالصرف على معنى الحي ، وتركه على تأويله بالقبيلة قراءتان سبعيتان { وَأَصْحَابَ الرَّسِّ } هو في كلام العرب البئر التي تكون غير مطوية أي لم نبن بالحجارة والجمع رساس ، كذا قال أبو عبيد ، وقيدها أهل اللغة ، كصاحب القاموس ، بأنها التي طويت ، أي بنيت بالحجارة ، فيؤخذ من مجموع النقلين أن الرس ابتداء الشيء ، ومنه رس الحمى ورسيسها ، والبئر المطوية بالحجارة انتهى قال السدي : هي بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النجار ، فنسبوا إليها ، وهو صاحب يس الذي قال { يا قوم اتبعوا المرسلين } ، وكذا قال مقاتل وعكرمة وغيرهما وقيل هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياءهم ، فجفت أشجارهم ، وزروعهم ، فماتوا جوعا وعطشا .

وقيل كانوا يعبدون الشجر وقيل كانوا يعبدون الأصنام فأرسل الله إليهم شعيبا عليه السلام فكذبوه وآذوه ، وقيل بئر بفلج اليمامة قرية عظيمة بناحية اليمن ، أو موضع باليمن من مساكن عاد ، وهم قوم أرسل الله إليهم نبيا فقتلوه وقيل هم أصحاب الأخدود ، وقيل إن الرس هي البئر المعطلة التي تقدم ذكرها أو صحابها أهلها ، وقال في الصحاح : الرس لاسم بئر كانت لبقية ثمود ، وقيل الرس ماء ونخل لبني أسد وقيل هو الثلج المتراكم في الجبال ، أو الرس اسم واد قريب من البصرة قاله ابن كثير والرس أيضا الإصلاح بين الناس ، والإفساد بينهم فهو من الأضداد .

وقيل الرس نهر بالشرق وقيل هم قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسوه في بئر فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية فانهارت فخسف بهم وبمنازلهم وديارهم ، وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان وهم الذين ابتلاهم الله بالطائر المعروف العنقاء قال ابن عباس : الرس قرية من ثمود وعنه بئر بأذربيجان وعنه أنه سأل كعبا عن أصحاب الرس قال : صاحب يس ، وورد عن محمد بن كعب القرظي في صاحب الرس خبر طويل مرفوع فيه نكارة وغرابة ولعل فيه إدراجا كما قال ابن كثير في تفسيره والحديث أيضا مرسل .

{ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا } القرون جمع قرن أي أهل قرون يعني وأذكر أقواما ، والقرن مائة سنة ، قاله قتادة وقيل مائة وعشرون سنة قاله زرارة بن أوفى وقيل أربعون سنة وقيل سبعون سنة قاله قتادة أيضا وقد روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " القرن مائة سنة " وقال القرن خمسون سنة وقال القرن أربعون سنة ، وما أظنه يصح شيء من ذلك وقد سمي الجماعة من الناس قرنا كما في الحديث الصحيح " خير القرون قرني " {[1322]} وأخرج الحاكم في الكني عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى معد بن عدنان أمسك ثم يقول : " كذب النسابون ، قال الله وقرونا بين ذلك كثيرا والإشارة بقوله { بين ذلك } إلى ما تقدم ذكره من الأمم أي بين عاد وأصحاب الرس ، وهم جماعات فلذلك حسن دخول { بين } عليه وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك ، ويحسب الحاسب أعدادا متكاثرة ثم يقول : فذلك كيت وكيت أي ذلك المحسوب ، أو المعدود .


[1322]:الترمذي كتاب الفتن باب 45 ـ البخاري كتاب الشهادات باب 9.