البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

ووعدنا { عاداً وثموداً } .

وقرأ عبد الله وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى وثمود غير مصروف .

{ وأصحاب الرس } .

قال ابن عباس : هم قوم ثمود ويبعده عطفه على ثمود لأن العطف يقتضي التغاير .

وقال قتادة : أهل قرية من اليمامة يقال لها الرس والفلج .

قيل : قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح .

وقال كعب ومقاتل والسدّي بئر بإنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين وهو حبيب النجار .

وقيل : قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه .

وقال وهب والكلبي { أصحاب الرس } وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما شعيب أرسل إلى أصحاب الرس وكانوا قوماً من عبَدة الأصنام وأصحاب آبار ومواش ، فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية .

وعن أبي عبيدة انهارت بهم فخسف بهم وبدارهم .

وقال عليّ فيما نقله الثعلبي : قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت رسوا نبيهم في بئر حفروه له في حديث طويل .

وقيل : هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير ، سميت بذلك لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فج وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا .

وقيل : هم أصحاب الأخدود والرس هو الأخدود .

وقال ابن عباس : الرس بئر أذربيجان .

وقيل : الرس ما بين نجران إلى اليمن إلى حضرموت .

وقيل : قوم بعث الله إليهم أنبياء فقتلوهم ورسوا عظامهم في بئر .

وقيل : قوم بعث إليهم نبيّ فأكلوه .

وقيل : قوم نساؤهم سواحق .

وقيل : الرس ماء ونخل لبني أسد .

وقيل : الرس نهر من بلاد المشرق بعث الله إليهم نبياً من أولاد يهوذا ابن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زماناً فشكا إلى الله منهم فحفروا له بئراً وأرسلوه فيها ، وقالوا : نرجو أن يرضى عنا إلهنا فكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ، فدعا بتعجيل قبض روحه فمات وأضلتهم سحابة سوداء أذابتهم كما يذوب الرصاص .

وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم « أن أهل الرس أخذوا نبيهم فرسّوه في بئر وأطبقوا عليه صخرة فكان عبد أسود آمن به يجيء بطعام إلى تلك البئر فيعينه الله على تلك الصخرة فيقلها فيعطيه ما يغذيه به .

ثم يرد الصخرة ، إلى أن ضرب الله يوماً على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به » في حديث طويل .

قال الطبري : فيمكن أنهم كفروا بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية وكثر الاختلاف في أصحاب الرس ، فلو صح ما نقله عكرمة ومحمد بن كعب كان هو القول الذي لا يمكن خلافه وملخص هذه الأقوال أنهم قوم أهلكهم الله بتكذيب من أرسل إليهم .

{ وقروناً بين ذلك } هذا إبهام لا يعلم حقيقة ذلك إلاّ الله { ذلك } إشارة إلى أولئك المتقدمي الذكر فلذلك حسن دخول { بين } عليه من غير أن يعطف عليه شيء كأنه قيل بين المذكورين وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة .

ثم يشير إليها .