تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

المفردات :

الرس : البئر غير المبنية ، والجمع رساس ، قال أبو عبيدة : والمراد بهم كما قال قتادة : أهل قرية من اليمامة ، يقال لها : الرس والقلج ، قتلوا نبيهم فهلكوا ، وهم بقية ثمود قوم صالح .

التفسير :

38- { وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا } .

ودمرنا وأهلكنا قوم عاد ، بسبب تكذيبهم لنبيهم هود ، كما أهلكنا قوم ثمود بسبب تكذيبهم لنبيهم صالح .

قال تعالى : { الحاقة*ما الحاقة* وما أدراك ما الحاقة*كذبت ثمود وعاد بالقارعة* فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية*وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية*سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية*فهل ترى لهم من باقية } [ الحاقة : 1-8 ] .

كانت عاد تسكن في جنوب الجزيرة في مكان يسمى الأحقاف ، أي : الكثيب من الرمال .

قال تعالى : { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف . . } [ الأحقاف : 21 ]

وهذا المكان الآن بين اليمن وسلطنة عمان ، في منطقة صلالة ، وتوجد في صلالة سينما تسمى سينما الأحقاف ، وقد اكتشفت قرب صلالة ، آثار مطمورة ، طمرتها الرياح ، عبارة عن مدن بائدة يرجح أنها من آثار عاد قوم هود .

قال تعالى : { ألا بعدا لعاد قوم هود } [ هود : 60 ] .

وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة العربية ، بين الحجاز والشام . وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على قراهم ، وهو في طريقه إلى غزوة تبوك ، ولما مرّ صلى الله عليه وسلم على قرى ثمود قوم صالح ، حنى ظهره ، واستحث راحلته ، وقال لأصحابه : ( لا تمرّوا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم مشفقون أن يصيبكم ما أصابهم )9 .

قال تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب } [ هود : 61 ]

أصحاب الرسّ

الرس : البئر التي لم تبن بالحجارة ، وقيل : البئر مطلقا ، وقد اختار ابن جرير الطبري : أن أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود ، الذين ذكرهم الله في سورة البروج .

وقال بعض المفسرين : إنهم من بقايا قبيلة ثمود ، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه ، ورسّوه في تلك البئر ، أي : ألقوا به فيها ، فأهلكهم الله تعالى .

وفي ذيل المنتخب في تفسير القرآن ، طبعة 13 لوزارة الأوقاف المصرية ما يأتي :

وأصحاب الرسّ ، قوم كانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله شعيبا إليهم ، وقد ذكرهم شعيب بأنعم الله عليهم وما هم فيه من أشجار وآبار ، وخيرات كثيرة ، ولكنهم كفروا بنعمة الله ، وكذبوا رسولهم ، وعبدوا الأوثان ، وبينما هم حول الرس [ أي : البئر ] إذ انهارت بهم ، وخسف الله تعالى بهم الأرض .

قال تعالى : { كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود*وعاد وفرعون وإخوان لوط*وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد } [ ق : 12-14 ] .

{ وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا } .

أي : لقد أهلكنا عادا وثمود ، وأصحاب الرس لما كذبوا رسلهم ، وأهلكنا أمما كثيرة كانوا بين أمة نوح وبين عاد ، فأصابهم جزاء الظالمين ، والقرون جمع قرن ، والمراد به : الجيل من الناس ، الذين اقترنوا في زمان واحد من الأزمنة .

وفي الحديث الشريف : ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . . . )10 رواه البخاري .

ومن شأن الله أن يهلك الظالمين ، والأمم الظالمة ، وأن ينشئ بعدها أمما أخرى ، قال تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } [ الأنعام : 6 ] .