المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

وعاد وثمود يصرف ، وجاء ها هنا مصروفاً ، وقرأ ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى «وعاداً » مصروفاً «وثمود » غير مصروف ، واختلف الناس في { أصحاب الرس } فقال ابن عباس هم قوم ثمود ، وقال قتادة هم أهل قرية من اليمامة ، يقال لها { الرس } والفلج ، وقال مجاهد هم أهل قرية فيها بير عظيمة الخ . . . يقال لها { الرس } ، وقال كعب ومقاتل والسدي { الرس } بير بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين{[8828]} ، وقال الكلبي { أصحاب الرس } قوم بعث إليهم نبي فأكلوه ، وقال قتادة { أصحاب الرس } وأصحاب ليكة قومان أرسل إليهما شعيب عليه السلام ، وقاله وهب بن منبه وقال علي رضي الله عنه في كتاب الثعلبي { أصحاب الرس } قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ، رسوا نبيهم في بير حفروه له في حديث طويل ، و { الرس } في اللغة كل محفور من بير أو قبر أو معدن ومنه قول الشاعر [ النابغة الجعدي ] : [ المتقارب ]

سبقت إلى فرط بأهل . . . تنابلة يحفرون الرساسا{[8829]}

وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الرس المشار إليهم في هذه الآية قوم أخذوا نبيهم فرسوه في بير وأطبقوا عليه صخرة ، قال فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى تلك البير فيعينه الله على تلك الصخرة إلى أن ضرب الله يوماً على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به في حديث طويل{[8830]} ، قال الطبري فيمكن أنهم كفروا به بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية ، وقوله { وقروناً بين ذلك كثيراً } إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل وقد تقدّم شرح القرن وكم هو ، ومن هذا اللفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى ، ويروى أن ابن عباس قاله ، «كذب النسابون من فوق عدنان{[8831]} لأن الله تعالى أخبر عن كثير من الخلق والأمم ولم يحد » .


[8828]:قال في البحر المحيط: وهو حبيب النجار.
[8829]:استشهد بالبيت صاحب (اللسان- رسس) مرتين: الأولى على أن الرس: البئر القديمة، وأن جمعها: رساس، وسميت بذلك لأن أهلها رسوا صاحبهم فيها، أي دسوه، والثانية على أن كل بئر تسمى عند العرب رسا، والفرط بالتحريك: المتقدم إلى الماء، يتقدم الواردة فيهيء لهم الأرسان والدلاء، ويملأ الحياض ويستسقي لهم، والباهل: بالياء: المتردد بلا عمل، ويروى بالنون بدلا من الباء، والناهل –على هذا- هو العطشان، وهو الذي شرب حتى ارتوى، فهو من الأضداد، والتنابلة –جمع تنبال وتنبل بكسر التاء، وقيل: على وزن جعفر- والتنبل: الرجل القصير، وهو رباعي على مذهب سيبويه، والمذكور في اللسان هو الشطر الثاني فقط، والبيت من قصيدة مشهورة للنابغة الجعدي يقول فيها: لبست أناسا فأفنيتهم وأفنيت بعد أناس أناسا
[8830]:أخرجه ابن إسحق، وابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي، وفي ابن جرير زيادات عما ذكره ابن عطية هنا.
[8831]:أخرج الحاكم في الكنى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى معد بن عدنان أمسك، ثم يقول: كذب النسابون) قال الله تعالى: {وقرونا بين ذلك كثيرا). (الدر المنثور).