المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

11- سيقول لك من خلَّفهم النفاق من سكان البادية - إذا رجعت من سفرك - : شغلتنا عن الخروج معك أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا . يقولون بألسنتهم غير ما في قلوبهم ، قل ردا عليهم : فمن يملك لكم من الله شيئا يدفع عنكم قضاءه ، إن أراد بكم ما يضركم ، أو أراد بكم ما ينفعكم ؟ بل كان الله بكل ما تعملون محيطاً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن المتخلفين ، الذين لم يخرجوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم إلى صلح الحديبية ، فتحكى أعذارهم الزائفة ، وتفضحهم على رءوس الأشهاد ، وترد على أقوالهم الباطلة ، وتأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بالإِعراض عنهم ، وإهمال أمرهم ، فهم قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله . .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : لما بين - سبحانه - حال المنافقين ، ذكر المتخلفين - بعد ذلك - فإن قوما من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ، لظنهم أنه يهزم ، فإنهم قالوا : أهل مكة قاتلوه على باب المدينة . . واعتذروا عن الخروج معه - صلى الله عليه وسلم - .

والمخلفون : جمع مُخلَّف ، وهو المتروك فى مكان خلف الخارجين من البلد كالنساء والصبيان ، فإنهم فى العادة لا يخرجون مع الرجال للجهاد ، وعبر عنهم بالمخلفين على سبيل الذم لهم .

والأعراب : اسم جنس لبدو العرب ، واحده أعرابى ، والأثنى أعرابية ، والمقصود بهم هنا سكان البادية من قبائل غِفَار ، ومُزَينة ، وجُهَينة ، وأشجع ، وأسلم ، والدِّيل ، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد دعاهم إلى الخروج معه إلى مكة ، ليساعدوه على إقناع قريش شفى الإِذن بدخول مكة للطواف بالبيت الحرام . . ولكنهم اعتذروا .

وقوله - سبحانه - سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا . . إعلام من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بما سيقوله هؤلاء المتخلفون له ، بعد عودته إليهم من صلح الحديبية .

أى : سيقول المخلفون لك - أيها الرسول الكريم - : إننا ما تخلفنا عنك باختيارنا ، ولكن انشغالنا بحفظ ورعاية أموالنا ونسائنا وأولادنا الصغار ، حال بيننا وبين الخروج معك إلى الحديبية ، وما دام الأمر كذلك { فاستغفر لَنَا } الله - تعالى - لكى يغفر لنا ذنوبنا التى وقعنا فيها بسبب هذا التخلف الذى لم يكن عن تكاسل أو معصية لك .

ولما كان قولهم هذا لم يكن صحيحا ، فقد رد الله - تعالى - عليهم بقوله : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } . أى : هو ليسوا صادقين فيما يقولون ، والحق أنهم يقولون قولا من أطراف ألسنتهم ، دون أن تؤيده قلوبهم ، فإن السبب الحقيقى لعدم خروجهم معك ، هو ضعف إيمانهم ، ومرض قلوبهم ، وتذبذب نفوسهم .

فالجملة الكريمة تكذيب لهم فيما قالوه ، وفضيحة لهم على رءوس الأشهاد .

ثم أمر الله - تعالى - أن يجابههم بقوله : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } . والاستفهام للإِنكار والنفى .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المتخلفين من الأعراب لا أحد يستطيع أن يمنع عنكم قضاء الله - تعالى - ، إن أراد بكم ما يضركم من قتل أو هزيمة ، أو إن أراد بكم ما ينفعكم ، من نصر أو غنيمة ؛ لأن قضاء الله - تعالى - لا دافع له ، كما قال - سبحانه - : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ }

ثم أضرب - سبحانه - عن ذلك وقال : { بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أى : إن تخلفكم ليس سببه ما زعمتم ، بل الحق أن تخلفكم كان بسبب ضعف إيمانكم ، والله - تعالى - مطلع على أحوالكم اطلاعا تاما ، وسيجازيكم بما تستحقون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

وعندما يصل إلى حقيقة البيعة ، وإلى خاطر النكث وخاطر الوفاء ، يلتفت بالحديث إلى المخلفين من الأعراب ، الذين أبوا أن يخرجوا مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لسوء ظنهم بالله ، ولتوقعهم الشر والضر للمؤمنين الخارجين ، الذاهبين إلى قريش في عقر دارها ، وهي غزت المدينة قبل ذلك عامين متواليين . . يلتفت إليهم لينبى ء الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عما سيعتذرون به إليه بعد عودته سالما هو ومن معه ، وقد هادنته قريش ولم تقاتله ، وعقدت معه معاهدة يبدو فيها - مهما كانت شروطها - التراجع من قريش ، واعتبار محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ندا لها تهادنه وتتقي خصومته . ويكشف له عن الأسباب الحقيقية لعدم خروجهم معه ، ويفضحهم ويقفهم مكشوفين أمام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأمام المؤمنين . كما ينبئه بما فيه البشرى له وللخارجين معه ؛ وهو أنهم سيخرجون إلى مغانم قريبة ميسورة ، وأن المخلفين من الأعراب سيطلبون الخروج معه لينالوا من هذه الغنائم السهلة . ويلقنه طريقة معاملتهم حينئذ والرد عليهم . فلا يقبل منهم الخروج معه في هذا الوجه القريب الميسور الذي سيقتصر على من خرجوا من قبل وحضروا الحديبية . إنما ينبئهم بأن هنالك وجها آخر فيه مشقة وفيه قتال مع قوم أولي بأس شديد . فإن كانوا حقا يريدون الخروج فليخرجوا يومئذ ، حيث يقسم الله لهم بما يريد . فإن أطاعوا كان لهم الأجر الكبير ، وإن عصوا كما عصوا من قبل كان لهم العذاب الشديد :

سيقول لك المخلفون من الأعراب : شغلتنا أموالنا وأهلونا ، فاستغفر لنا ، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم . قل : فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ? بل كان الله بما تعملون خبيرا . بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ، وزين ذلك في قلوبكم ، وظننتم ظن السوء ، وكنتم قوما بورا . ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا . ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، وكان الله غفورا رحيما . سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها : ذرونا نتبعكم . يريدون أن يبدلوا كلام الله . قل : لن تتبعونا . كذلكم قال الله من قبل . فسيقولون : بل تحسدوننا . بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا . قل للمخلفين من الأعراب : ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ، تقاتلونهم أو يسلمون ، فان تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ، وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما . .

والقرآن لا يكتفي بحكاية أقوال المخلفين والرد عليها ؛ ولكنه يجعل من هذه المناسبة فرصة لعلاج أمراض النفوس ، وهواجس القلوب ، والتسلل إلى مواطن الضعف والانحراف لكشفها تمهيدا لعلاجها والطب لها . ثم لإقرار الحقائق الباقية والقيم الثابتة ، وقواعد الشعور والتصور والسلوك .

فالمخلفون من الأعراب - وكانوا من أعراب غفار ومزينة وأشجع وأسلم وغيرهم ممن حول المدينة - سيقولون اعتذارا عن تخلفهم : ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ) . . وليس هذا بعذر . فللناس دائما أهل وأموال . ولو كان مثل هذا يجوز أن يشغلهم عن تكاليف العقيدة ، وعن الوفاء بحقها ما نهض أحد قط بها . . وسيقولون ( فاستغفر لنا ) . . وهم ليسوا صادقين في طلب الاستغفار كما ينبئ الله رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) . .

هنا يرد عليهم بتقرير حقيقة القدر الذي لا يدفعه تخلف ، ولا يغيره إقدام ؛ وبحقيقة القدرة التي تحيط بالناس وتتصرف في أقدارهم كما تشاء . وبحقيقة العلم الكامل الذي يصرف الله قدره على وفقه :

( قل : فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ? بل كان الله بما تعملون خبيرا ) . .

وهو سؤال يوحي بالاستسلام لقدر الله ؛ والطاعة لأمره بلا توقف ولا تلكؤ . فالتوقف أو التلكؤ لن يدفع ضررا ، ولا يؤخر نفعا . وانتحال المعاذير لا يخفى على علم الله . ولا يؤثر في جزائه وفق علمه المحيط . وهو توجيه تربوي في وقته وفي جوه وفي مناسبته على طريقة القرآن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

{ المخلفون من الأعراب } قال مجاهد وغيره : هم جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من القبائل ، فإنهم في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرته عام الحديبية رأوا أنه يستقبل عدواً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة ، وهم الأحابيش ، ولم يكن تمكن إيمان أولئك الأعراب المجاورين للمدينة فقعدوا عن النبي عليه السلام وتخلفوا ، وقالوا لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة ، ففضحهم الله في هذه الآية ، وأعلم محمد بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم ، فكان كذلك ، قالوا : شغلتنا الأموال والأهلون فاستغفر لنا ، وهذا منهم خبث وإبطال ، فلذلك قال تعالى : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم }{[10412]} قال الرماني : لا يقال أعرابي إلا لأهل البوادي خاصة ، ثم قال لنبيه عليه السلام { قل } لهم : { فمن يملك لكم من الله شيئاً } أي من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءاً .

وقرأ جمهور القراء : «إن أراد بكم ضَراً » بفتح الضاد . وقرأ حمزة والكسائي : «ضُراً » بالضم ، ورجحها أبو علي وهما لغتان . وفي مصحف ابن مسعود . «إن أراد بكم سوءاً » . ثم رد عليهم بقوله : { بل كان الله بما تعملون خبيراً } .


[10412]:قال في اللسان:"رجل أعرابي بالألف إذا كان بدويا صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلأ، وتتبع لمساقط الغيث...ويُجمع الأعرابي على الأعراب والأعاريب، والأعرابي إذا قيل له: يا عربي!فرح بذلك وهش له، والعربي إذا قيل له: يا أعرابي!غضب له".