تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { سيقول لك المُخلَّفون من الأعراب } قوله تعالى : { المخلّفون } سمّاهم مخلّفين ، ولم يُخلّفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، ولكن الله ، وتعالى ، جل ، وعلا ، خلّفهم عن ذلك بأن أحدث فيهم فعل التخلّف لمّا علم منهم ما كان من اختيارهم التخلّف كقوله تعالى : { ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم } [ التوبة : 46 ] أي منعهم . فعلى ذلك ما ذُكر من المخلّفين أن الله سبحانه وتعالى خلّفهم عن ذلكن وهم اكتسبوا فعل التخلّف في أنفسهم . دلّ أن خالق أفعال العباد ، هو الله تعالى ، والله الموفّق .

وقوله تعالى خبرا عنهم : { شغلنا أموالُنا وأهْلُونا } هذا القول منهم قول اعتذار وطلب العُذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولهم : { فاستغفر لنا } طلبوا منه الاستغفار مع إظهارهم العُذر في التخلّف بقولهم : { شغلتنا أموالنا وأهلُونا } يقولون : وإن حبسَتنا أموالنا وأهلونا لم يكن لنا التخلّف عنك { فاستغفر لنا } ولكن مع هذا لم يقبل عذرهم لأنهم كانوا لا يحقّقون في طلبهم الاستغفار منه لأنهم أهل نفاق ، لا يؤمنون برسالته ولا بالبعث كي تنفعهم المغفرة في الآخرة .

ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وإذا قال لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم } الآية ؟ [ المنافقون : 5 ] دلّ هذا الفعل منهم على أنهم كانوا غير محقِّقين طلب الاستغفار /518-أنه بقولهم : { فاستغفر لنا } حين{[19540]} قال : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } أي يقولون بألسنتهم قولهم : { فاستغفر لنا } ما ليس حقيقة ذلك .

ولا جائز أن يُصرف قولهم : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } إلى قولهم : { شغلتنا أموالنا وأهلُونا } [ لأنهم كانوا ]{[19541]} كاذبين في العذر ، ولكن طلبوا الاستغفار حقيقة . لا يقال هذا لأنهم كانوا صادقين في أن أموالهم وأهليهم{[19542]} شغلتهم عن ذلك ، فلا يمكن صرف الآية إلى ذلك ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرًّا أو أراد بكم نفعًا } قد ذكرنا أن حرف الاستفهام من الله تعالى يكون على الإيجاب ، فيُنظَر إن كان ذلك السؤال من مستفهم كيف يجاب له ؟ فيكون من الله تعالى على الإيجاب لا أحد يملك لكم نفعا إن كان الله أراد بكم ضرا ، ولا أحد يملك لكم ضرا إن كان الله أراد بكم نفعا ؛ يخبر أنكم إن تخلّفتم لحفظ أموالكم وأهليكم فإن الله تعالى أراد بكم ضرًّا لا تملكون دفعه عن أنفسكم ، وإن [ لم ]{[19543]} تتخلّفوا ، ولكن خرجتم منه ، فلا يملك أحد الضرر بكم ، غير [ أنكم لا عذر لكم ]{[19544]} في التخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم أوعدهم ، فقال : { بل كان الله بما تعملون خبيرا } جعل الله عز وجل أنفس المنافقين وصنيعهم آية على رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم في حق المنافقين حين كان يُطلع رسوله على جميع ما أسرّوا في أنفسهم ، وأضمروا في قلوبهم ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله ، وجل ، وعلا ، وجعل الآية [ له ]{[19545]} في حق غيرهم من الكفرة من غير صنيعهم وأنفسهم حتى علموا بذلك أنه بالله قدر على ذلك ، والله أعلم .

وقال أهل التأويل : { إن أراد بكم ضرا } أي الهزيمة { أو أراد بكم نفعا } ظهورا على عدوّكم وغنيمة . يحتمل أن يكون الخطاب بهذا أهل الإيمان والوعظ لهم بذلك ، لأن أهل النفاق كانوا لا يصدّقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقبلون ما يقول من المواعظ وغيره .


[19540]:في الأصل وم: حيث.
[19541]:في الأصل وم: أي.
[19542]:في الأصل وم: وأهلوهم.
[19543]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[19544]:في الأصل وم: أنه لا عذر له.
[19545]:من م، ساقطة من الأصل.