اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

قوله تعالى : { سَيَقُولُ لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب } قال ابن عباس ومجاهد : يعني أعراب غِفَار ، ومُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ ، وأشْجَعَ وَأسْلَمَ ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً اسْتَنفَرَ من حول المدينة من الأعراب ، والبَواَدِي ليخرجوا معه حَذَراً من قريش أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت فأحرم بالعمرة وساق معه الهَدْي ، ليعلمَ الناسُ أنه لا يريد حَرباً فتثاقل كثيرٌ من الأعراب وتخلفوا واعْتَلُّوا{[51683]} بالشغل لظنهم أنه يهزم ، فأنزل الله هذه الآية{[51684]} .

قوله : «شَغَلَتْنَا » حكى الكسائي عن ابن مدح{[51685]} أنه قرأ : شَغَّلَتْنَا بالتشديد { أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } يعني النساء والذَّرَارِي أنْ لم يكن لنا من يخلفنا فيهم { فاستغفر لَنَا } تَخَلٌّفَنَا عنك .

فكذبهم الله في اعتذارهم فقال : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } من الأمر بالاستغفار فإنهم لا يبالون أستغفر لهم النبي أو لا . { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } قرأ الأخوان ضُرًّا بضم الضاد{[51686]} والباقون بفتحها .

فقيل : هما لغتان بمعنى كالفَقْر والفُقْر والضَّعف والضُّعْف ، وقيل : بالفتح{[51687]} ضِدُّ النفع ، وبالضم سُوء الحال فمن فتح قال : لأنه قابله بالنفع ، والنفع ضد الضر{[51688]} ، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ، ويجعل لهم النفع بالسلامة في أموالهم وأنفسهم فأخبرهم أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر واحد على دفعه { بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي بما تعلنون من إظهار أمر وإضمار غيره{[51689]} .


[51683]:فعلوا علة وحجة.
[51684]:ذكره القرطبي في الجامع 16/268.
[51685]:كذا في النسختين وهو خطأ من الناسخ والصواب: ابن نوح كما في البحر المحيط: إبراهيم بن نوح بن باذان عن قتيبة. انظر البحر 8/93 وفي المختصر: شغلتنا أموالنا بالتشديد حكاه الكسائي انظر المختصر 141 وهي شاذة غير متواترة وذكرها أيضا دون نسبة صاحب الكشاف 3/543.
[51686]:قال القرطبي: هنا فقط أي في تلك السورة انظر القرطبي 16/268 ولم ترو عن غير الأخوين في المتواتر. وانظر البحر 8/93 والسبعة 604.
[51687]:وهو اختيار أبي عبيدة وأبي حاتم.
[51688]:انظر القرطبي بالمعنى فقد نقل رأي كل من أبي عبيد وأبي حاتم.
[51689]:بالمعنى من الرازي 28/88.