الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

وقوله سبحانه : { سَيَقُولُ لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب } قال مجاهد وغيره : هم " جُهَيْنَةُ " و " مُزَيْنَةُ " ، ومَنْ كان حول المدينة من الأعراب ؛ وذلك أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد المسيرَ إلى مَكَّة عام الحديبية مُعْتَمِراً ، استنفر مَنْ حولَ المدينة من الأعراب وأَهلِ البوادي ؛ ليخرجوا معه ؛ حذراً من قريش ، وأحرم بالعمرة ، وساق معه الهَدْيَ ؛ ليعلمَ الناس أنه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه هؤلاء المُخَلَّفُونَ ، ورأوا أَنَّهُ يستقبل عدوّاً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة ، وهم الأحابيش ، ولم يكن تَمَكَّنَ إيمانُ هؤلاءِ المُخَلَّفِينَ ، فقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخلَّفُوا وقالوا : لَنْ يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة ، ففضحهم اللَّه في هذه الآية ، وأَعْلَمَ نَبِيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم بقولهم ، واعتذارهم قبلَ أَنْ يَصِلَ إليهم ، فكان كما أخبر اللَّه سبحانه ، فقالوا : { شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } عَنْكَ ( فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ) وهذا منهم خُبْثٌ وإبطال ، لأَنَّهم قالوا ذلك مُصَانَعَةً من غير توبة ولا ندم ؛ فلذلك قال تعالى : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } ثم قال تعالى لنبيِّه عليه السلام : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } أي : مَنْ يحمي منه أموالكم وأهليكم إنْ أراد بكم فيها سوآ ؟ وفي مصحف ابن مسعود : ( إنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوآ ) ثم رَدَّ عليهم بقوله : { بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } .