لما كان الأمر كذلك ، وصف - سبحانه - هؤلاء المكذبين بالبعث والجزاء بأوصاف أخرى ، فقال : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ . الذين هُمْ يُرَآءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الماعون } .والفاء في قوله : { فَوَيْلٌ } للتفريع والتسبب ، والويل : الدعاء بالهلاك والعذاب الشديد .
وهو مبتدأ ، وقوله { لِّلْمُصَلِّينَ } خبره ، والمراد بالسهو هنا : الغفلة والترك وعدم المبالاة .
أى : فهلاك شديد ، وعذاب عظيم ، لمن جمع هذه الصفات الثلاث ، بعد تكذيبه بيوم الدين ، وقسوته على اليتيم ، وامتناعه عن إطعام المسكين .
وهذه الصفات الثلاث أولها : الترك للصلاة ، وعدم المبالاة بها ، والإِخلال بشروطها وأركانها وسننها وآدابها .
وثانيها : أداؤها رياء وخداعا ، لا عن إخلاص وطاعة لله رب العالمين ، كما قال - تعالى - :
{ إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً }
وثالثها : منع الماعون : أي منع الخير والمعروف والبر عن الناس . فالمراد بمنع الماعون : مع كل فضل وخير عن سواهم . فلفظ " الماعون " أصله " معونة " ، والألف عوض من الهاء . والعون : هو مساعدة الغير على بلوغ حاجته . . فالمراد بالماعون : ما يستعان به على قضاء الحوائج ، من إناء ، أو فأس ، أو نار ، أو ما يشبه ذلك .
ومنهم من يرى أن المراد بالماعون هنا : الزكاة ؛ لأنه جرت عادة القرآن الكريم أن يذكر الزكاة بعد الصلاة .
قال الإِمام ابن كثير : قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } أى : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه ، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ، ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم ، فهؤلاء لمنع الزكاة ومنع القربات أولى وأولى . .
وسئل ابن مسعود عن الماعون فقال : هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقِدْر . .
ثم قال : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس ، وغيره : يعني المنافقين ، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر ؛ ولهذا قال : { لِلْمُصَلِّينَ } أي : الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ، ثم هم عنها ساهون ، إما عن فعلها بالكلية ، كما قاله ابن عباس ، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا ، فيخرجها عن وقتها بالكلية ، كما قاله مسروق ، وأبو الضحى .
وقال عطاء بن دينار : والحمد لله الذي قال : { عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل : في صلاتهم ساهون .
وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا ، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به ، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها ، فاللفظ يشمل هذا كله ، ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية . ومن اتصف بجميع ذلك ، فقد تم نصيبه منها ، وكمل له النفاق العملي . كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يَرْقُب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " {[30564]} فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى ، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها ، وهو وقت كراهة ، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب ، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا ؛ ولهذا قال : " لا يذكر الله فيها إلا قليلا " . ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس ، لا ابتغاء وجه الله ، فهو إذًا لم يصل بالكلية . قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [ النساء : 142 ] . وقال هاهنا : { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ }
وقوله : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } صفة { للمصلين } مقيِّدة لحكم الموصوف فإن الويل للمصلي الساهي عن صلاته لا للمصلي على الإطلاق .
فيكون قوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } ترشيحاً للتهكم الواقع في إطلاق وصف المصلين عليهم .
وعدي { ساهون } بحرف { عن } لإفادة أنهم تجاوزوا إقامة صلاتهم وتركوها ولا علاقة لهذه الآية بأحكام السهو في الصلاة .
وقوله : { الذين عن صلاتهم ساهون } يجوز أن يكون معناه الذين لا يؤدون الصلاة إلاّ رياء فإذا خلوا تركوا الصلاة .
ويجوز أن يكون معناه : الذين يصلون دون نية وإخلاص فهم في حالة الصلاة بمنزلة الساهي عما يفعل فيكون إطلاق { ساهون } تهكماً كما قال تعالى : { يراءون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليلاً في المنافقين } في سورة النساء ( 142 ) .
و ( يراءون ) يقصدون أن يَرى الناسُ أنهم على حال حسن وهم بخلافه ليتحدث الناس لهم بمحاسنَ ما هم بموصوفين بها ، ولذلك كَثر أن تعطف السُّمعة على الرياء فيقال : رياء وسُمعة .
وهذا الفعل وارد في الكلام على صيغة المفاعلة ولم يسمع منه فعل مجرد لأنه يلازمه تكرير الإِراءة .
و{ الماعون } : يطلق على الإِعانة بالمال ، فالمعنى : يمنعون فضلهم أو يمنعون الصدقة على الفقراء . فقد كانت الصدقة واجبة في صدر الإِسلام بغير تعيين قبل مشروعية الزكاة .
وقال سعيد بن المسيب وابن شهاب : الماعون : المال بلسان قريش .
وروى أشهب عن مالك : الماعون : الزكاة ، ويشهد له قول الراعي :
قوم على الإِسلام لمّا يمنعوا *** ماعونهم ويضيِّعوا التهليلا
لأنه أراد بالتهليل الصلاة فجمع بينها وبين الزكاة .
ويطلق على ما يستعان به على عمل البيت من آنية وآلات طبخ وشدّ وحفر ونحو ذلك مما لا خسارة على صاحبه في إعارته وإعطائه . وعن عائشة : الماعون الماء والنار والملح . وهذا ذم لهم بمنتهى البخل . وهو الشح بما لا يزرئهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.