وقوله - تعالى - : { وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى . . } كلام مستأنف مسوق لبيان سنة الله - تعالى - التى لا تتخلف فى المهتدين ، بعد بيان سنته فى الضالين .
أى : ويزيد الله - تعالى - المهتدين إلى طريق الحق هداية على هدايتهم ، بأن يثبتهم عليه ، كما قال - سبحانه - : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } وكما قال - عز وجل - : { هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ليزدادوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ . . } وقوله - تعالى - : { والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } أى : والأعمال الباقيات الصالحات كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من أعمال البر ، خير عند ربك ثوابا وجزاء مما تمتع به الكفار فى دنياهم من شهوات { وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } أى : مرجعا وعاقبة .
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : خير عند ربك ثوابا ، كأن لمفاخراتهم ثوابا ، حتى يعل ثواب الصالحات خيرا منه ؟
قلت : كأنه قيل : ثوابهم النار على طريقة قوله : تحية بينهم ضرب وجيع ، ثم ينى عليه خير ثوابا ، وفيه ضرب من التهكم الذى هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له : عقابك النار . .
والخلاصة أنه لا ثواب لهؤلاء الكافرين سوى النار ، أما المؤمنون فثوابهم جنات تجرى من تحتها الأنهار .
وقال بعض العلماء : " ويظهر لى فى الآية جواب آخر أقرب من هذا ، وهو أن الكافر يجازى بعمله الصالح فى الدنيا ، فإذا بر والديه ، ونفس عن المكروب . . . فإن الله يثيبه فى الدنيا . فثوابه هذا الراجع إليه من عمله فى الدنيا ، هو الذى فضل عليه ثواب المؤمنين ، وهذا واضح لا إشكال فيه " .
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد حكت جانبا من تباهى الكافرين بديناهم ، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم .
لما ذكر [ الله ]{[19102]} تعالى إمداد من هو في الضلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه ، أخبر بزيادة المهتدين هُدى كما قال تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة : 124 ، 125 ] .
وقوله : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } قد تقدم تفسيرها ، والكلام عليها ، وإيراد الأحاديث المتعلقة بها في سورة " الكهف " .
{ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا } أي : جزاء { وَخَيْرٌ مَرَدًّا } أي : عاقبة ومردا على صاحبها .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فأخذ عودًا يابسًا فَحَطَّ ورقة ثم قال : " إن قول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة الريح{[19103]} ، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن ، هن الباقيات الصالحات ، وهن{[19104]} من كنوز الجنة " قال أبو سلمة : فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال : لأهللنّ الله ، ولأكبرن الله ، ولأسبحن الله ، حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون{[19105]}
وهذا ظاهره{[19106]} أنه مرسل ، ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة ، عن أبي الدرداء ، والله أعلم . وهكذا وقع في سنن ابن ماجه ، من حديث أبي معاوية ، عن عُمر{[19107]} بن راشد ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي الدرداء ، فذكر نحوه{[19108]} .
{ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } عطف على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله ، أراد أن يبين أن قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لأن الله عز وجل أراد به ما هو خير له وعوضه منه ، وقيل عطف على فليمدد لأنه في معنى الخبر كأنه قيل من كان في الضلالة يزيد الله الله في ضلاله ويزيد المقابل له هداية { والباقيات الصالحات } الطاعات التي تبقى عائدتها أبد الآباد ، ويدخل فيها ما قيل من الصلوات الخمس وقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . { خير عند ربك ثوابا } عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفانية التي يفتخرون بها سيما ومآلها النعيم المقيم ومآل هذه الحسرة والعذاب الدائم كما أشار إليه بقوله : { وخير مردا } والخير ها هنا إما لمجرد الزيادة أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء ، أي أبلغ في حره منه في برده .
جملة { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } معطوفة على جملة { من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدّاً } لما تضمنه ذلك من الإمهال المفضي إلى الاستمرار في الضلال ، والاستمرار : الزيادة . فالمعنى على الاحتباك ، أي فليمدد له الرحمان مداً فيزدَدْ ضلالاً ، ويمدّ للذين اهتدوا فيزدادوا هدىً .
وجملة { والباقيات الصالحات خير } عطف على جملة { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } . وهو ارتقاء من بشارتهم بالنجاة إلى بشارتهم برفع الدرجات ، أي الباقيات الصالحات خير من السلامة من العذاب التي اقتضاها قوله تعالى : { فسيعلمون من هو شرّ مكاناً وأضعفُ جنداً } ، أي فسيظهر أن ما كان فيه الكفرة من النعمة والعزّة هو أقلّ مما كان عليه المسلمون من الشظف والضعف باعتبار المآلين ، إذ كان مآل الكفرة العذاب ومَآل المؤمنين السلامة من العذاب وبعدُ فللمؤمنين الثواب .
والباقيات الصالحات : صفتان لمحذوف معلوم من المقام ، أي الأعمال الباقي نعيمها وخيرها ، والصالحات لأصحابها هي خير عند الله من نعمة النجاة من العذاب . وقد تقدّم وجه تقديم الباقيات على الصالحات عند الكلام على نظيره في أثناء سورة الكهف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.