وقوله - سبحانه - : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ .
. } تيئيس له - صلى الله عليه وسلم - من إيمانهم ، ومن قبولهم للحق .
ولفظ " سواء " اسم مصدر بمعنى الاستواء ، والمراد به الفاعل . أى : مستو ، ولذلك يوصف به كما يوصف بالمصدر ، كما فى قوله - تعالى - : { قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ . . } أى : مستوية .
أى : إن هؤلاء الراسخين فى الكفر والنفاق ، قد استوى عندهم استغفارك لهم وعدم استغفارك ، فهم لتأصل الجحود فيهم صاروا لا يفرقون بين الحق والباطل ، ولا يؤمنون بثواب أو عقاب . . . ولذلك فلن يغفر الله - تعالى - لهم مهما حرصت على هدايتهم وصلاحهم .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } تعليل لانتفاء المغفر من الله - تعالى - لهم .
أى : لن يغفر الله - تعالى - لهم ، لأن سنته - سبحانه - قد اقتضت أن لا يهدى إلى طاعته ، وأن لا يشمل بمغفرته ، من فسق عن أمره ، وآثر الباطل على الحق ، والكفر على الإيمان ، لسوء استعداده ، واتباعه لخطوات الشيطان .
القول في تأويل قوله تعالى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفََسِقِينَ .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : سواء يا محمد على هؤلاء المنافقين الذين قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله أستَغْفَرْتَ لَهُمْ ذنوبهم أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ يقول : لن يصفح الله لهم عن ذنوبهم ، بل يعاقبهم عليها إنّ اللّهِ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ يقول : إن الله لا يوفّق للإيمان القوم الكاذبين عليه ، الكافرين به ، الخارجين عن طاعته . وقد :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أمْ لَمْ تَسَتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ قال : نزلت هذه الاَية بعد الاَية التي في سورة التوبة إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «زيادة على سبعين مرّة » ، فأنزل الله : سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أمْ لَمْ تَسَتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: سواء يا محمد على هؤلاء المنافقين الذين قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله" أستَغْفَرْتَ لَهُمْ "ذنوبهم "أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ" يقول: لن يصفح الله لهم عن ذنوبهم، بل يعاقبهم عليها "إنّ اللّهِ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ" يقول: إن الله لا يوفّق للإيمان القوم الكاذبين عليه، الكافرين به، الخارجين عن طاعته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر} [فيه وجهان:
أحدهما: أنهم] لم يعدوا ذلك زلة وذنبا لأنه كان عندهم أنهم على الحق.
والثاني: ما قلنا: إنهم كانوا لا يؤمنون بالآخرة، والمغفرة إنما تطلب من الله، ويتحقق ذلك في الآخرة.
وقوله تعالى: {لن يغفر الله لهم} على ذلك أيضا؛ إنه لا يغفر أستغفرت أم لم تستغفر... ثم قوله تعالى: {لن يغفر الله لهم} يحتمل وجهين:
أحدهما: يقول: {لن يغفر الله لهم} ما داموا على النفاق، ولم يتوبوا عنه. والثاني: أن يقول: {لن يغفر الله لهم} في قوم، علم الله منهم أنهم لا يؤمنون أبدا...
{إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} ولم يقل: القوم الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كل واحد منهم من جملة ما سبق ذكره؟
نقول: كل أحد من تلك الأقوام داخل تحت قوله: {الفاسقين} أي الذين سبق ذكرهم وهم الكافرون والمنافقون والمستكبرون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... وجملة (لن يغفر الله لهم}... هي وعيد لهم وجزاء على استخفافهم بالاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم... وجملة {إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} تعليل لانتفاء مغفرة الله لهم بأن الله غضب عليهم فحرمهم اللطف والعناية...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}...
لأنّ المغفرة بيده، وليس لك أن تستغفر إلا لمن كان يعيش هذه القابلية وهم المؤمنون العصاة، أما الكافرون الذين لا يؤمنون بالله، والمشركون الذين يشركون بعبادته غيره، فليس لهم طريق إلى رحمة الله ورضوانه، وبالتالي فليس لهم مجال في عفو الله وغفرانه، لأنهم لا يتعلقون من رحمة الله بشيء، ولا يجدون أنفسهم بحاجةٍ إلى رحمة الله، ما يجعل الفسق عندهم خطاً يؤكدون إرادتهم فيه، ويرفضون غيره، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} لأن الله قد فتح لهم باب الهداية، فأغلقوها على أنفسهم، فلا يفتحها الله لهم من جديد مع بقاء إراداتهم الرافضة على حالها...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.