المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

6- يوم يقوم الناس لأمر رب العالمين وقضائه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين } بدل مما قبله . واللام فى قوله { لرب } للتعليل . أى : يقومون لأجل ربوبيته - تعالى - وتلقى حكمه الذى لا يستطيعون الفرار منه . وفى هذا الوصف ما فيه استحضار جلاله - وعظمته - سبحانه - .

قال القرطبى : وفى هذا الإِنكار والتعجيب ، وكلمة الظن . ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه الله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين ، بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإِثم فى التطفيف ، وفيما كان مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على التسوية والعدل ، فى كل أخذ وإعطاء ، بل فى كل قول وعمل . .

هذا ، وقد جاء الأمر بإيفاء الكيل والميزان ، والنهى عن تطفيفهما ، فى آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } ومنها قوله - سبحانه - : { وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } قال بعض العلماء ما ملخصه : والتصدى لشأن المطففين بهذا الأسلوب فى سورة مكية ، أمر يلفت النظر ، فالسورة المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقائد .

ومن ثم فالتصدى لهذا الأمر بذاته ، يدل أولا على أن الإِسلام ، كان يواجه فى البيئة المكية ، حالة صارخة من هذا التطفيف يزاولها الكبراء .

. الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون فهم " يكتالون على الناس " لا من الناس . . فكأن لهم سلطانا على الناس .

ويدل - ثانيا - على طبيعة هذا الدين ، وشمول منهجه للحياة الواقعية ، وشئونها العملية ، وإقامتها على الأساس الأخلاقى الأصيل فى طبيعة هذا المنهج الإِلهى القويم . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأوّل المخفوض ، ولكنه لما لم يعد عليه اللام ، ردّ إلى مبعوثون ، فكأنه قال : ألا يظنّ أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس ؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض ، لأنها إضافة غير محضة ، ولو خفض ردّا على اليوم الأوّل لم يكن لحنا ، ولو رفع جاز ، كما قال الشاعر :

وكُنْتُ كَذي رِجْلَينِ : رِجلٍ صَحِيحةٍ *** وَرِجْلٍ رَمى فِيها الزّمانُ فَشُلّتِ

وذُكر أن الناس يقومون لربّ العالمين يوم القيامة ، حتى يُلْجِمَهم العرق ، فبعض يقول : مقدار ثلاث مئة عام ، وبعض يقول : مقدار أربعين عاما . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يقوم أحدكم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا ابن عون ، عن نافع ، قال : قال ابن عمر : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ النّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ اللّهِ ، حتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إلى أنْصَافِ آذَانِهِمْ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ الرّحْمَنِ » ، ثم ذكر مثله .

حدثني محمد بن خَلَف العَسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُونَ حتى يَبْلُغَ الرّشْحُ إلى أنْصَافِ آذانِهِمْ » .

حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبي ، عن صالح ، قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ » : «يَومَ الْقِيامَةِ ، حتى يَغِيبَ أحَدهُمُ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة بن سعيد ، عن محارب بن دِثار ، عن ابن عمر ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ قال : يقومون مئة سنة .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، حّتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرّجُلَ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

حدثنا ابن المثنى وابن وكيع ، قالا : حدثنا يحيى ، عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتّى يَقُومَ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .

حدثني محمد بن إبراهيم السّلِيْميّ المعروف بابن صدران ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال : حدثنا عبد السلام بن عجلان ، قال : حدثنا يزيد المدني ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير الغِفَاريّ : «كَيْفَ أنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ مِقْدَارَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْ أيّامِ الدّنيْا ، لا يأتِيهِمْ خَبرٌ مِنَ السّماءِ ، وَلا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ ؟ » قال بشير : المستعان الله يا رسول الله ، قال : «إذَا أنْتَ أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَتَعَوّذْ باللّهِ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَسُوءِ الْحِسابِ » .

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يمكثون أربعين عاما رافعي رؤوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق كلّ برّ وفاجر ، قال : فينادي منادٍ : أليس عدلاً من ربكم أن خلقكم ثم صوّركم ، ثم رزقكم ، ثم توليتم غيره ، أن يولّي كلّ عبد منكم ما تولى في الدنيا ؟ قالوا : بلى . ثم ذكر الحديث بطوله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن سكْن ، قال : حدث عبد الله ، وهو عند عمر يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاما ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، ولا يكلّمهم بشر أربعين عاما ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العالَمِينَ قال : ذُكر لنا أن كعبا كان يقول : يقومون ثلاث مئة سنة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وسعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : كان كعب يقول : يقومون مقدار ثلاث مئة سنة .

قال : قتادة : وحدثنا العلاء بن زياد العدويّ ، قال : بلغني أن يوم القيامة يَقْصُر على المؤمن ، حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة .

قال : ثنا مهران ، قال : حدثنا العمريّ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُ الرّجُلُ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيهِ » .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

قال يعقوب ، قال إسماعيل : قلت لابن عون : ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ؟ قال : نَعَمْ إنْ شاءَ اللّهُ .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثني عمي ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ ، حتى إنّ أحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إلى نِصْفِ أُذُنَيْهِ » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

و { يوم يقوم الناس لرب العالمين } بدل من « يوم عظيم » بدلاً مطابقاً وفتحته فتحة بناء مثل ما تقدم في قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } في سورة الانفطار ( 19 ) على قراءة الجمهور ذلك بالفتح .

ومعنى { يقوم الناس } أنهم يكونون قياماً ، فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة .

واللام في { لرب العالمين } للأجل ، أي لأجل ربوبيته وتلقي حكمه .

والتعبير عن الله تعالى بوصف « رب العالمين » لاستحضار عظمته بأنه مالك أصناف المخلوقات .

واللام في { العالمين } للاستغراق كما تقدم في سورة الفاتحة .

قال في « الكشاف » « وفي هذا الإِنكار ، والتعجيب ، وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته ب« رب العالمين » بيان بليغ لعظيم الذنب وتفاقم الإِثم في التطفيف وفيما كان مثل حالهِ من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية » اه .

ولما كان الحامل لهم على التطفيف احتقارهم أهل الجَلب من أهل البوادي فلا يقيمون لهم ما هو شعار العدل والمساواة ، كان التطفيف لذلك منبئاً عن إثم احتقار الحقوق ، وذلك قد صار خلقاً لهم حتى تخلقوا بمكابرة دعاة الحق ، وقد أشار إلى هذا التنويه به قوله تعالى : { والسماء رفعها ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } [ الرحمن : 7 9 ] وقولُه حكاية عن شعيب : { وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [ الشعراء : 182 ، 183 ] .