المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (53)

53- والله هو الذي أجرى البحرين : البحر العذب والبحر الملح ، وجعل المجرى لكل واحد يجاور المجرى الآخر ، ومع ذلك لا يختلطان ، نعمة ورحمة بالناس{[159]} .


[159]:{وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا}: قد تشير هذه الآية إلي نعمة الله على عباده بعدم اختلاط الماء الملح المتسرب من البحار في الصخور القريبة من الشاطئ بالماء العذب المتسرب إليها من البر اختلاطا تاما بل إنما يلتقيان مجرد تلاق. يطفو العذب منها فوق الملح كأن بينهما برزخا يمنع بغي أحدهما على الآخر، وحجرا محجورا، أي حاجزا خفيا مستورا لا نراه. وليس هذا فقط، بل إن هناك قانونا ثابتا يحكم هذه العلاقة ويتحكم فيها لمصلحة البشر ممن يسكنون في تلك المناطق وتتوقف حياتهم على توفر الماء العذب، فقد ثبت أن طبقة الماء العذب العليا يزداد سمكها مع زيادة الارتفاع عن منسوب البحر بعلاقة منتظمة حتى أنه يمكن حساب العمق الأقصى للماء العذب الذي يمكن الوصول إليه، فهو يساوي قدر الفرق بين منسوب الأرض ومنسوب البحر أربعين مرة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (53)

وقوله - سبحانه - : { وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - عز وجل - .

و " مرج " من المرج بمعنى الإرسال والتخلية ، ومنه قولهم . مرج فلان دابته إذا أرسلها إلى المرج وهو المكان الذى ترعى فيه الدواب ، ويصح أن يكون المرج بمعنى الخلط ، ومنه قوله - تعالى - : { فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أى : مختلط . ومنه قيل للمرعى : مرج ، لاختلاط الدواب فيه بعضها ببعض .

والعذب الفرات : هو الماء السائغ للشرب ، الذى يشعر الإنسان عند شربه باللذة ، وهو ماء الأنهار وسمى فراتا لأنه يَفْرُت العطش ، أى يقطعه ويكسره ويزيله .

والملح الأجاج : هو الشديد الملوحة والمرارة وهو ماء البحار . سمى أجاجا من الأجيج وهو تلهب النار ، لأن شربه يزيد العطش .

والبرزخ . الحاجز الذى يحجز بين الشيئين .

أى : وهو - سبحانه - الذى أرسل البحرين . العذب والمالح فى مجاريهما متجاورين ، كما ترسل الدواب فى المراعى ، أو جعلهما - بقدرته - فى مجرى واحد ومع ذلك لا يختلط أحدهما بالآخر : بل جعل - سبحانه - بينهما " برزخا " أى : حاجزا عظيما ، وحجرا محجورا .

أى : وجعل كل واحد منهما حراما محرما على الآخر أن يفسده .

والمراد : لزوم كل واحد منهما صفته التى أوجده الله عليها ، فلا ينقلب العذب فى مكانه ملحا ، ولا الملح فى مكانه عذبا .

قال - تعالى - : { مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } وقال - سبحانه - : { أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً أإله مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } وهذا الحاجز الذى جعله - سبحانه - بين البحرين : العذب والملح ، من أكبر الأدلة وأعظمها على قدرة الله - تعالى - ، وعلى أن لهذا الكون إلها صانعا حكيما مدبرا وأن كل شىء فى هذا الكون يسير بنظام معلوم ، وبنسق مرسوم .