غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَفَمَنۡ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۗ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡۚ أَمۡ تُنَبِّـُٔونَهُۥ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَٰهِرٖ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ بَلۡ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (33)

30

ثم أورد على المشركين ما يجري مجرى الحجاج والتوبيخ والتعجب من عقولهم فقال :{ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } ومعنى القائم الحفيظ والرقيب أي الله العالم بكل المعلومات القادر على كل الممكنات كمن ليس كذلك . وجوز في الكشاف أن يقدر الخبر بحيث يمكن عطف وجعلوا عليه التقدير : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه وجعلوا له شركاء فيكون قوله : " لله " من وضع الظاهر مقام الضمير ، وذكر السيد صاحب حل العقد أنه يجوز أن يجعل الواو في قوله : { وجعلوا لله } للحال ويضمر للمبتدأ خبر يكون المبتدأ معه جملة مقررة لإنكار ما يقارنها من الحال والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس موجود والحال أنهم جعلوا له { شركاء } فأقيم الظاهر مقام المضمر كما قلنا تقريراً للإلهية وتصريحاً بها وإنه هو الذي يستحق العبادة وحده وهذا كما تقول معطي الناس ومغنيهم موجود ويحرم مثلي . ثم زاد في المحاجة فقال : { قل سموهم } أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم وأنبئوه بأسمائهم . وإنما يقال ذلك في الشيء المستحقر الذي لا يستحق أن يلتفت إليه فيقال : سمه إن شئت يعني أنه أخس من أن يسمى ويذكر ، ولكنك إن شئت أن تضع له اسماً فافعل . وقيل : المراد سموهم بالآلهة على سبيل التهديد .

قال في الشكاف : " أم " في قوله { أم تنبئونه } منقطعة كقولك للرجل قل لي من زيد أم هو أقل من أن يعرف . أقول : وذلك لأنه لا شيء محض إذ لو كان الشريك موجوداً وهو أرضيّ لتعلق به علم العالم بالذات المحيط بجميع السفليات ونحوه { قل أتنبئون الله بما لا يعلم } [ يونس : 18 ] وقد مر في أول " يونس " . ثم أكد هذا المعنى بقوله : { أم بظاهر من القول } أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من الكلام من غير أن يكون له حقيقة كقوله : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها } [ يوسف : 40 ] وهذا الاحتجاج من أعاجيب الأساليب التي اختص بها القرآن الكريم المعجز فللَّه در شأن التنزيل . ثم بين سوء طريقتهم فقال : { بل زين للذين كفروا مكرهم } قال الواحدي : معنى " بل " ههنا كما يقال دع ذكر الدليل فإنه لا فائدة فيه إنه كذا وكذا . والكلام في أن المزين هو الله تعالى أو غيره قد مر في أول سورة آل عمران ، وكذا البحث فيمن قرأ { وصدوا } بضم الصاد ، وأما من قرأ بالفتح فيحتمل أن يكون لازماً أي أعرضوا عنه ، ويحتمل أن يكون متعدياً أي صرفوا غيرهم ، والخلاف في قوله : { ومن يضلل الله } تقدم في مواضع منها آخر الأعراف .

/خ43