غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ} (33)

21

قوله { كل في فلك } من مقلوب الكل . والفلك في اللغة كل شيء دائر وجمعه أفلاك . وزعم الضحاك أنه ليس بجسم وإنما هو مدار هذه النجوم . والأكثرون على أن الفلك جسم تدور النجوم عليه . ثم اختلفوا في حقيقته فقال الكلبي : ماء مكفوف أي مجموع تجري فيه الكواكب بدليل قوله { يسبحون } والسباحة لا تكون إلا في الماء . ورد بأنه يقال فرس سابح إذا امتد في الجري . وقالت الحكماء : هو جسم كروي لا ثقيل ولا خفيف غير قابل للخرق والالتئام والنمو والذبول ، ولذلك منعوا من كون الفلك ساكناً ، والكواكب متحركة فيه كالسمك في الماء واعتذروا عن السباحة بأنها في النظر كذلك .

قال صاحب الكشاف : التنوين في كل عوض من المضاف إليه أي كلهم فورد عليه إشكالان : أحدهما أنه لم يسبق إلا ذكر الشمس والقمر فكيف يعود ضمير الجمع إليهما ؟ وأجاب بأن ذلك باعتبار كثرة مطالعهما كما يجمع بالشموس والأقمار لذلك . ويمكن أن يقال : أقل الجمع اثنان أو أنه جعل النجوم تبعاً لذكرهما . الثاني أن كلهم ليسوا في فلك ولكن كل منهم في فلك آخر على ما يشهد به علم الهيئة ، وأجاب بأنه أراد جنس الفلك كقولك " كسانا الأمير حلة " ، أو أراد كل واحد . قلت : لو صح هذا التقدير الثاني لم يرد الإشكال الأول ولكنه ينافي قوله { يسبحون } مجموعاً . قال بعض الحكماء في هذا الجمع دلالة على أن الكواكب أحياء ناطقة . وأجيب بأنه إنما جمع جمع العقلاء لأن السباحة من فعلهم . قلت : قد يسبح كثير من الحيوانات ، فلعل المختص بالعقلاء هو السباحة الصناعية المكتسبة . وههنا بحث وهو أن الإمام فخر الدين الرازي استحسن قول بعض الأوائل أن الحركة السماوية صنف واحد وهي الآخذة من المشرق إلى المغرب إلا أن بعضها أبطأ من البعض كالحركات الغربية ، وكذا اختلافات تلك الحركات بسبب تلك المختلفات . قال : وهذا أقرب ليكون غاية سرعة الحركة للفلك الأعظم وغاية السكون للجرم الذي هو أبعد عن المحيط وهو الأرض ، ولئلا يلزم بسبب حركة ما دون الفك الأعظم بحركته وبحركتها الخاصة تحرك الجرم الواحد في زمان واحد بحركتين مختلفتين إلى جهتين فإنه يستلزم كون الجسم دفعة واحدة في مكانين . قلت : أما حديث كون ما هو أبعد عن المركز أسرع حركة فإقناعي ، وأما لزوم كون الجسم دفعة واحدة في مكانين فممنوع لأن التي تظهر في المتحرك هي الحركة المركبة الحاصلة من فضل الأسرع على الأبطأ لا كل من الحركتين ، وهذا مشاهد من حركة النملة إلى خلاف جهة حركة الرحى ، ومن حركة راكب السفينة فيها إلى خلاف جهة حركتها . وأما الذي استحسنه من كلام الأوائل فباطل لأنه لو كان كذلك لحصلت الاظلال اللائقة بكل جزء من أجزاء فلك البروج في يوم بليلة ، وكذا الارتفاعات المناسبة لها في البلاد المتفقة العرض وليس كذلك ، وقد ذكرنا هذا المعنى في كتبنا النجومية أيضا .

/خ50