الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ} (33)

قوله : { كُلٌّ } : أي : كلُّ منهما أي : من الشمس والقمر ، أو مِنها أي : من الليل والنهار والشمس والقمر . و " يَسْبَحون " يجوز أن يكونَ خبرَ " كلٌ " على المعنى . و " في فلك " متعلقٌ به ، ويجوزُ أن يكونَ حالاً . والخبرُ الجارُّ وهو " في فَلك " . وهذا الذي : ذَكَرْتُه من كونِ المضافِ إليه يجوزُ أَنْ يُقَدَّرَ بالأربعةِ الأشياءِ المذكورةِ . ذكره أبو البقاء . وأمَّا غيرُه فلم يذكرْ إلاَّ أنَّ المضافَ إليه الشمسُ والقمرُ . وهو الظاهر ؛ لأنَّ السباحةَ من صفتِهما دونَ الليلِ والنهار ، وعلى هذا فيُعْتَذَر عن الإِتيانِ بضميرِ الجمعِ ، وعن كونِه جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ .

أمَّا الأولُ فقيل : إنما جُمِع لأنَّ ثَمَّ معطوفاً محذوفاً تقديرُه : والنجومُ ، كما دَلَّتْ عليه آياتٌ أُخَرُ . وقال الزمخشري : " الضميرُ للشمسِ والقمرِ ، والمرادُ بهما جنسُ الطوالِع كلَّ يومٍ وليلةٍ ، جعلوها متكاثرةً لتكاثُرِ مَطالِعِها ، وهو السببُ في جمعهما بالشموسِ والأقمارِ " . انتهى . والذي حَسَّن ذلك كونُه رأسَ آيةً .

وقال أبو البقاء : " يَسْبَحُون " خبر " كلٌ " على المعنى ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ إذا سَبَح فكلُّها تَسْبَحُ . وقيل : يَسْبَحُون على هذا الوجهِ حالٌ . والخبر " في فَلَكٍ " . وقيل : التقدير : كلُّها ، والخبر " يَسْبَحُون " ، أتى بضميرِ الجمعِ على معنى " كل " . وفي هذا الكلامِ نظرٌ : من حيث إنه لمَّا جَوَّز أن يكونَ المضافُ إليه شيئين جَعَل الخبرَ الجارَّ ، و " يَسْبَحون " حالاً ، فِراراً من عدم مطابقةِ الخبر للمبتدأ ، فَوَقَعَ في تخالُفِ الحالِ وصاحبِها .

وأمَّا الثاني فلأنَّه لَمَّا أَسْنَدَ إليها السباحةَ التي هي مِنْ أفعالِ العقلاء جَمَعَها جَمْعَ العقلاءِ كقولِه : { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] و { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] .

وهذه الجملةُ يجوز أن تكونَ لا محلَّ لها من الإِعرابِ لاستئنافِها . ويجوزُ أَنْ يكونَ محلُّها النصبَ على الحال . فإنْ قُلْنا : إن السباحةَ تُنْسَبُ إلى الليل والنهار ، كما تقدَّم نَقْلُه عن أبي البقاء في أحدِ الوجهين فتكونُ حالاً من الجميع . وإن كان لا يَصِحُّ نِسْبَتُها إليهما كانت حالاً من الشمسِ والقمرِ . وتأويلُ الجمعِ قد تقدَّم . قال الشيخ : " أو مَحَلُّها النصبُ على الحالِ من الشمس والقمر ؛ لأنَّ الليلَ والنهارَ لا يَتَّصِفان بأنهما يَجْرِيان في فَلَكٍ ، فهو كقولك : رأيتُ زيداً وهنداً متبرِّجةً " انتهى . وهذا قد سبقه إليه الزمخشري فَنَقَله عنه ، يعني أنه قد دَلَّ دليلٌ على أنَّ الحالَ من بعضِ ما تقدَّم كما في المثالِ المذكور .

والسِّباحةُ : العَوْمُ في الماءِ . وقد يُعَبَّر به عن مطلقِ الذهابِ ، وقد تقدَّم اشتقاقُه في " سُبْحانك " .