البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ} (33)

السبح : العوم

والتنوين في { كلٌّ } عوض من المضاف إليه ، والفلك الجسم الدائر دورة اليوم والليلة .

وعن ابن عباس والسدّي : الفلك السماء .

وقال أكثر المفسرين : الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر .

وقال قتادة : الفلك استدارة بين السماء والأرض يدور بالنجوم مع ثبوت السماء .

وقيل : الفلك القطب الذي تدور عليه النجوم وهو قطب الشمال .

وقيل : لكل واحد من السيارات فلك ، وفلك الأفلاك يحركها حركة واحدة من المشرق إلى المغرب .

وقال الضحاك : الفلك ليس بجسم وإنما هو مدار هذه النجوم ، والظاهر أنه جسم وفيه الاختلاف المذكور والظاهر أن كلاًّ يسبح في فلك واحد .

قيل : ولكل واحد فلك يخصه فهو كقولهم : كساهم الأمير حلة أي كسى كل واحد ، وجاء { يسبحون } بواو الجمع العاقل ، فأما الجمع فقيل ثم معطوف محذوف وهو والنجوم ، ولذلك عاد الضمير مجموعاً ولو لم يكن ثم معطوف محذوف لكان يسبحان مثنى .

وقال الزمخشري : الضمير للشمس والقمر ، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها وهو السبب في جمعها بالشموس والأقمار ، وإلاّ فالشمس واحدة والقمر واحد انتهى .

وحسن ذلك كونه جاء فاصلة رأس آية ، وأما كونه ضمير من يعقل ولم يكن التركيب يسبحن .

فقال الفراء : لما كانت السباحة من أفعال الآدميين جاء ما أسند إليهما مجموعاً من يعقل كقوله { رأيتهم لي ساجدين } قال أبو عبد الله الرازي : وعلى قول أبي عليّ بن سينا سبب ذلك أنها عنده تعقل انتهى .

وهذه الجملة يحتمل أن تكون استئناف إخبار فلا محل لها ، أو محلها النصب على الحال من { الشمس والقمر } لأن { الليل والنهار } لا يتصفان بأنهما يجريان { في فلك } فهو كقولك : رأيت زيداً وهنداً متبرجة والسباحة : العوم والذي يدل عليه الظاهر أن الشمس والقمر هما اللذان يجريان في الفلك ، وأن الفلك لا يجري .