فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ} (33)

{ وهو الذي خلق } هذا تذكير لهم بنعمة أخرى مما أنعم الله به عليهم وذلك بأنه خلق لهم { الليل } ليسكنوا فيه { والنهار } ليتصرفوا فيه في معايشهم { و } جعل { الشمس } آية النهار { والقمر } آية الليل ليعلموا عدد الشهور والحساب كما تقدم بيانه في { سبحان } .

{ كل في فلك } أي مستدير كالطاحونة في السماء { يسبحون } في دوران أي يجرون قاله ابن عباس يعني كل واحد من الشمس والقمر والنجوم في وسط الفلك يسيرون بسرعة كالسابح في الماء .

قال ابن عباس : فلك كفلكة المغزل يدورون في أبواب السماء ، كما تدور الفلكة في المغزل ، وعنه قال : هو فلك السماء الذي فيه ذلك الكوكب ، وكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيه ، والجمع في الفعل باعتبار المطالع ، قال سيبويه : إنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل ، جعل الضمير عنهن ضمير العقلاء ، ولم يقل يسبحن أو تسبح ، وكذا قال الفراء ، وقال الكسائي : إنما قال يسبحون لأنه رأس الآية والفلك واحد أفلاك النجوم وأصل الكلمة من الدوران ، ومنه فلك المغزل لاستدارتها ، والفلك مدار النجوم الذي يضمها وهو في كلام العرب كل شيء مستدير ، وقيل الفلك استدارة السماء ، وقيل الفلك ماء أو موج مكفوف دون السماء تجري فيه الكواكب .

وقال أهل الهيئة :الأفلاك أجرام صلبة لا ثقيلة ولا خفيفة غير قابلة للخرق والالتئام والنمو والذبول ، وفي الرازي : الفلك في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ، واختلف العقلاء فيه فقال بعضهم : الفلك ليس بجسم ، وإنما هو استدارة هذه النجوم .

وقال الأكثرون : الأفلاك أجسام تدور النجوم عليها وهذا أقرب إلى ظاهر القرآن ، واختلف الناس في حركات الكواكب والوجوه الممكنة فيها ثلاثة فإنه إما أن يكون الفلك ساكنا ، والكواكب تتحرك فيه ، كحركة السمك في الماء الراكد ، وإما أن يكون الفلك متحركا والكواكب أيضا إما مخالفة لجهة حركته أو موافقة لجهتها إما بحركة مساوية لحركة الفلك في السرعة والبطء أو مخالفة ، وإما أن يكون الفلك متحركا ، والكواكب ساكنة .

والذي يدل عليه لفظ القرآن القسم الأول وهو أن تكون الأفلاك ساكنة والكواكب جارية فيها ، كما تسبح السمكة في الماء الراكد انتهى ، والحق أنه لا سبيل إلى معرفة صفة السماوات ، والأفلاك وما فيها إلا بإخبار الصادق المصدوق .