ثم أراد أن يعلم جميع الناس البراءة المذكورة فقال { وأذان } وارتفاعه كارتفاع براءة على الوجهين ، ثم الجملة معطوفة على مثلها . وخطئ الزجاج في قوله «إنه معطوف على براءة » لأنه لو عطف عليها لكان هو أيضاً مخبراً عنه بالخبر الأوّل وهو { إلى الذين عاهدتم } لكنه غير مقصود بل المقصود الإخبار عنه بقوله { إلى الناس } والأذان اسم بمعنى الإيذان الإعلام كالأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء ومنه أذان الصلاة . أمر الله تعالى بهذا الإعلام { يوم الحج الأكبر } وهو الجمع الأعظم الذي حضر فيه المؤمن والمشرك والعاهد الناكث وغير الناكث ليصل الخبر إلى جميع الأطراف ويشتهر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يحج في السنة الآتية فأمر بإظهار هذه البراءة لئلا يحضر الموقف غير . المؤمنين الموحدين وقيل : يوم الحج الأكبر يوم عرفة لأن فيه أعظم أعمال الحج وهو الوقوف بعرفة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : «الحج عرفة » وهو قول عمر وسعيد بن المسيب وابن الزبير وعطاء وطاوس ومجاهد وإحدى الروايتين عن علي عليه السلام وابن عباس ورواية المسوّر بن مخرمة عن رسول الله صلى الله عليه سلم أنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال : «أما بعد فإن هذا يوم الحج الأكبر » وقال ابن عباس في رواية عطاء : هو يوم النحر . ووافقه قول الشعبي والنخعي والسدي والمغيرة بن شعبة وسيعد بن جبير . وذلك أن معظم أفعال الحج من الطواف والحلق والرمي والنحر يقع فيه . ومثله ما روي عن علي رضي الله عنه أن رجلاً أخذ بلجام دابته فقال : ما يوم الحج الأكبر ؟ فقال : يومك هذا خلّ عن دابتي يعني يوم النحر . وعن ابن عمر أن رسول الله صلى عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في الوداع فقال : هذا يوم الحج الأكبر . قال ابن جريج عن مجاهد : يوم الحج الأكبر أيام منى كلها وهو قول سفيان الثوري . وكان يقول : يوم الحج الأكبر أيامه كلها كيوم صفين ويوم الجمل يراد به الحين والزمان ، لأن كل حرب من هذه الحروب دامت أياماً كثيرة . وعلى هذا فقد وصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر . وقيل : الحج الأكبر القران والأصغر الإفراد . عن مجاهد أيضاً : هذا وقد حذفت الباء التي هي صلة الأذان تخفيفاً والتقدير { أن الله بريء من المشركين } وقوله { ورسوله } بالرفع مبتدأ محذوف الخبر أي ورسوله أيضاً كذلك ، أو هو معطوف على المنوي في { بريء } أي بريء هو ورسوله . وجاز العطف من غير تأكيد بالمنفصل للفصل . وقرئ بالجر على الجوار أو على أن الواو للقسم كقوله سبحانه { لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون } [ الحجر : 72 ] والفرق بين قوله { براءة من الله } وبين قوله { إن الله بريء } أن المقصود من الكلام الأول هو الإخبار بثبوت البراءة ، والمقصود من هذا الثاني إعلام جميع الناس بما حصل وثبت . وأيضاً المراد بالأول البراءة من العهد ، وبالثاني البراءة التي هي نقيض المولاة ، ولهذا لم يصف المشركين ثانياً بوصف معين كالمعاهدة تنبيهاً على أن الموجب لهذه البراءة وهو كفرهم وشركهم ولهذا أتبعه قوله { فإن تبتم } أي عن الشرك { فهو خير لكم } وفيه ترغيب في التوبة والإقلاع الموجب لزوال البراءة { وإن توليتم } أعرضتم عن التوبة أو بقيتم على التولي والإعراض عن الإيمان والوفاء { فاعلموا أنكم غير } فائتين أخذ الله وعقابه . قال بعض العلماء : قوله سبحانه { فاعلموا أنكم غير معجزي الله } ليس بتكرار لأن الأول للمكان والثاني للزمان . { وبشر } يا محمد أو يا من له أهلية الخطاب . وفيه من التهكم والتهديد ما فيه كيلا يظن أن عذاب الدنيا لو فات وزال خلصوا من العذاب بل العذاب الشديد معدّ لهم يوم القيامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.