غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التوبة مدنية حروفها 10087 كلمها 2479 وآياتها 129 .

1

التفسير : قد عد في الكشاف من أسماء هذه السورة «براءة » وذلك واضح ، و«التوبة » لأن فيها ذكر التوبة على المؤمنين و«المقشقشة » لأنها تقشقش من النفاق أي تبرئ منه و«المبعثرة » و«المثيرة » و«الحافرة » و«الفاضحة » و«المنكلة » و«المشردة » و«المخزية » و«المدمدمة » لأنها تبعثر عن أسرار المنافقين تبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم وتنكلهم وتشرد بهم وتخزيهم وتدمدم عليهم . وعن حذيفة : إنكم تسمونها سورة التوبة وإنما هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحداً إلا نالت منه . وعن ابن عباس : ما زالت تقول { ومنهم } حتى حسبنا أن لا تدع أحداً . وللعلماء خلاف في سبب إسقاط التسمية من أولها . فعن ابن عباس قال : قلت لعثمان بن عفان في ذلك فقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزلت عليه سورة يقول : ضعوها في موضع كذا ، وكانت براءة آخر القرآن نزولاً وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين موضعها ، وكانت قصتها شبيهة بقصة الأنفال فقرنت بينهما وكأنه أراد بالمشابهة . ما روي عن أبيّ بن كعب في الأنفال ذكر العهود ، وفي براءة نبذ العهود ، فوضعت إحداهما بجنب الأخرى . واستبعد جمع من العلماء هذا القول لأنا لو جوّزنا في بعض السور أن لا يكون ترتيبها من الله على سبيل الوحي لجوزنا مثله في سائر السور وفي آيات السورة الواحدة وذلك يفضي إلى تجويز الزيادة والنقصان في القرآن على ما يقول به الإمامية .

وقال بعض العلماء : إن الصحابة اختلفوا في أن «الأنفال » مع «التوبة » سورتان أم سورة واحدة لأنهما مائتان وست آيات فهما بمنزلة إحدى الطوال ، وكلتاهما وردت في القتال والمغازي ، فلمكان هذا الاختلاف فرجوا بينهما فرجة تنبيهاً على قول من يقول إنهما سورتان ، ولم تكتب البسملة تنبهاً على قول من يرى أنهما واحدة فعملوا عملاً يدل على أن هذا الاشتباه حاصل . وفيه أنهما لما لم يسامحوا بهذا القدر من الشبهة دل على أنهم كانوا متشددين في ضبط الدين وحفظ القرآن من التغيير والتحريف وذلك يبطل قول الإمامية ، وفيه دليل على أن البسملة آية من كل سورة والإجازات كتابتها هاهنا بل عند كل مقطع كلام . وعن ابن عباس : سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك فقال : لأن { بسم الله الرحمن الرحيم } أما وأن هذه السورة نزلت بالسيف ونبذ العهود . وذكر سفيان بن عيينة هذا المعنى وأكده بقوله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً } [ النساء : 94 ] فقيل له : أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل الحرب «بسم الله الرحمن الرحيم » ؟ . فأجاب بأن ذلك ابتداء منه يدعوهم إلى الله ولم ينبذ إليهم عهدهم ولهذا قال في آخر الكتاب

{ والسلام على من اتبع الهدى } [ طه : 47 ] ومما يؤكد شبهة من زعم أنهما سورة واحدة هو أن ختم الأنفال وقع بإيجاب أن يوالي المؤمنون بعضهم بعضاً وأن يكونوا منقطعين عن الكفار بالكلية ، وقوله { براءة من الله ورسوله } تأكيد لذلك الكلام وتقريرا له . ومعنى البراءة انقطاع العصمة وهي خبر مبتدأ محذوف و«من » لابتداء الغاية متعلق بمحذوف لا بالبراءة لفساد المعنى . والمعنى هذه براءة واصلة من الله ورسوله { إلى الذين عاهدتم } كما تقول : كتاب من فلان إلى فلان . ويجوز أن يكون { براءة } مبتدأ لتخصصها بصفتها هي الجار والمجرور كما قلنا والخبر محذوف كما ذكرنا نظيره قولك : رجل من بني تميم في الدار . كان قد أذن الله في معاهدة المشركين فاتفق المسلمون مع رسول الله وعاهدوهم فلما نقضوا العهد أوجب الله النبذ إليهم وكأنه قيل للمسلمين : اعلموا أن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين .

/خ16