مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأرض } سافرتم فيها ، فالضرب في الأرض هو السفر { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } حرج { أَن تَقْصُرُواْ } في أن تقصروا { مِنَ الصلاة } من أعداد ركعات الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين ، وظاهر الآية يقتضي أن القصر رخصة في السفر والإكمال عزيمة كما قال الشافعي رحمه الله ، لأن «لا جناح » يستعمل في موضع التخفيف والرخصة لا في موضع العزيمة وقلنا : القصر عزيمة غير رخصة ولا يجوز الإكمال لقول عمر رضي الله عنه : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم . وأما الآية فكأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه .

{ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ } إن خشيتم أن يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو أخذ ، والخوف شرط جواز القصر عند الخوارج بظاهر النص ، وعند الجمهور ليس بشرط لما روي عن يعلى بن أمية أنه قال لعمر : ما بالنا نقصر وقد أمنّا ؟ فقال : عجبت مما تعجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وفيه دليل على أنه لا يجوز الإكمال في السفر لأن التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض لا يحتمل الرد ، وإن كان المتصدق ممن لا تلزم طاعته كولي القصاص إذا عفا فمن تلزم طاعته أولى ، ، ولأن حالهم حين نزول الآية كذلك فنزلت على وفق الحال وهو كقوله :

{ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] . دليله قراءة عبد الله «من الصلاة أن يفتنكم » أي لئلا يفتنكم على أن المراد بالآية قصر الأحوال وهو أن يومىء على الدابة عند الخوف ، أو يخفف القراءة والركوع والسجود والتسبيح كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما . { إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } فتحرزوا عنهم .