محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ فَكَذَبَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (27)

[ 27 ] { وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين 27 } .

{ { وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين } لأنه أمارة إدباره عنها بسبب أنها تبعته ، واجتذبت ثوبه إليها فقدته .

ومن اللطائف ما قيل : إن هذا الشاهد أراد ألا يكون هو الفاضح لها ، ووثق بأن انقطاع قميصه إنما كان من دبر ، فنصبه أمارة لصدقه وكذبها . ثم ذكر القسم الآخر ، وهو قده من قبل ، على علم بأنه لم ينقد من قبل حتى ينفي عن نفسه التهمة في الشهادة ، وقصد الفضيحة ، وينصفهما جميعا ، فيذكر أمارة على صدقها المعلوم نفيه ، كما ذكر أمارة على صدقه المعلوم وجوده . ومن ثم قدم أمارة على صدقها ، على أمارة صدقه في الذكر ، إزاحة للتهمة ، ووثوقا بأن الأمارة الثانية هي الواقعة ، فلا يضره تأخيرها . وهذه اللطيفة بعينها و الله أعلم / هي التي راعاها مؤمن آل فرعون في قوله{[4919]} : { وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم } . فقدم قسم الكذب على قسم الصدق ، إزاحة للتهمة التي خشي أن تتطرق إليه في حق موسى عليه السلام ، ووثوقا بأن القسم الثاني وهو صدقه ، هو الواقع ، فلا يضره تأخيره في الذكر لهذه الفائدة . ومن ثم قال : { بعض الذي يعدكم } ، ولم يقل : كل ما يعدكم ، تعريضا بأنه معهم عليه ، وأنه حريص على أن يبخسه حقه . وينحو هذا النحو تأخير يوسف عليه السلام ، لكشف وعاء أخيه ، الآتي ذكره ، لأنه لو بدأ به لفطنوا أنه هو الذي أمر بوضع السقاية فيه - والله اعلم - .


[4919]:[40 / غافر / 28].