الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ فَكَذَبَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (27)

وقال ابن عطية : " وقرأت فرقة " قُطَّ " . قال أبو الفضل ابن حرب : " رأيت في مصحفٍ " قُطَّ مِنْ دُبُر " ، أي : شُقَّ " . قال يعقوب : " القَطُّ في الجلدِ الصحيح والثوبِ الصحيح " . وقال الشاعر :

2766 تَقُدُّ السُّلُوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجُهُ *** وتُوْقِدُ بالصُّفَّاحِ نارَ الحُبَاحِبِ

/ قوله : { مَا جَزَآءُ } يجوز في " ما " هذه أن تكونَ نافيةً ، وأن تكونَ استفهاميةً ، و " مَنْ " يجوز أن تكونَ موصولةً أو نكرةً موصوفةً ، وقوله : { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ } خبرُ المبتدأ ، ولمَّا كان " أَن يُسجن " في قوة المصدر عَطَف عليه المصدر وهو قوله : { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . و " أو " تُحْمل معانيها ، وأظهرُها التنويع .

وقرأ زيد بن علي : { أَوْ عَذَابٌ أَلِيماً } بالنصب . وخرجَّه الكسائي على إضمار فعلٍ ، أي : أو أَنْ يُعَذَّبَ عذاباً أليماً .

قوله : { هِيَ } ولم يَقُل " هذه " ولا " تلك " لفرط استحيائه وهو أدبٌ حسن ، حيث أتى بلفظ الغيبة دون الحضور . و " مِنْ أهلها " صفة ل " شاهد " ، وهو المُسَوِّغ لمجيءِ الفاعل من لفظِ الفعل إذ لا يجوزُ : قام القائم ، ولا قعد القاعد لعدم الفائدة .

قوله : { إِن كَانَ } هذه الجملةُ الشرطيةُ : إمَّا معمولةٌ لقولٍ مضمر تقديرُه : فقال : إن كان ، عند البصريين ، وإمَّا معمولة ل " شَهِد " لأنه بمعنى القول عند الكوفيين .

قوله تعالى : { مِن دُبُرٍ } و { مِن قُبُلٍ } : قرأ العامَّة جميع ذلك بضمتين والجرِّ والتنوين ، بمعنى مِنْ خلف ومن قُدَّام أي : مِنْ خلف القميص وقدَّامه ، أو يوسف . وقرأ الحسن وأبو عمرو في روايةٍ بتسكين العين تخفيفاً وهي لغة الحجاز وأسد . وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق والعطاردي والجارود بثلاث ضمات ، ورُوي عن الجارود وابن أبي إسحاق وابن يعمر وأيضاً بسكون العين وبنائهما على الضم ، ووجه ضمِّهما أنهم جعلوهما كقبل وبعد في بنائهما على الضم عند قطعهما عن الإِضافة ، فجعلوهما غاية ، ومعنى الغاية أن يُجعل المضافُ غايةَ نفسِه بعدما كان المضافُ إليه غايتَه ، والأصلُ إعرابُهما لأنهما اسمان متمكنان وليسا بظرفَيْن . قال أبو حاتم : " وهذا رديءٌ في العربية وإنما يقع هذا البناءُ في الظروف " .

وقال الزمخشري : " والمعنى : مِنْ قُبُل القميص ومِنْ دُبُره ، وأمَّا التنكير فمعناه مِنْ جهةٍ يُقال لها قُبُل ومِنْ جهة يُقال لها دُبُر ، وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ " مِنْ قبلَ ومِنْ دبرَ " بالفتح كأنه جعلهما عَلَميْن للجهتين ، فَمَنْعُهما الصرفَ للعلمية والتأنيث " . وقد تقدَّم الخلافُ في " كان " الواقعة في حَيِّز الشرط : هل تبقى على معناها مِن المُضيّ وإليه ذهب المبرد ، أم تنقلب إلى الاستقبال كسائر الأفعال ، وأن المعنى على التبيين ؟

وقوله : { فَكَذَبَتْ } و { فَصَدَقتْ } على إضمار " قد " لأنها تُقَرِّب الماضي من الحالة ، هذا إذا كان الماضي متصرِّفاً ، أما إذا كان جامداً فلا يحتاج إلى " قد " لا لفظاً ولا تقديراً .