محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

/ { * سيقول السفهاء من الناس ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 142 } .

{ سيقول السفهاء من الناس ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } روى البخاري في ( صحيحه ) {[785]} عن البراء رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت . وأنه صلى أول صلاة صلاها ، صلاة العصر وصلى معه قوم . فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة . فداروا ، كما هم ، قبل البيت ) .

وروى مسلم{[786]} عن البراء رضي الله عنه نحو ما تقدم ولفظه : ( صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، ثم صرفنا نحو الكعبة ) .

وروى الشيخان{[787]} عن ابن عمر قال : ( بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن . وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها . وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ) . ( اللفظ للمسلم ) .

والأحاديث في تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة متوافرة . وفيما ذكرنا كفاية . / وقد أعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن فريقا من الناس سينكرون تغيير القبلة وسماهم سفهاء ، جمع سفيه . وهو الخفيف الحلم والأحمق والجاهل . قال أبو السعود : أي الذين حقت أحلامهم واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن التدبر والنظر . انتهى . ومعنى قوله : { ما ولاّهم } أي أيّ شيء صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، أي ثابتين على التوجه إليها ، وهي بيت المقدس . ومدار الإنكار ، إن كان القائلون هم اليهود ، كراهتهم للتحويل عنها لأنها قبلتهم . وإن كان غيرهم ، فمجرد القصد إلى الطعن في الدين والقدح في أحكامه . وقد روي عن ابن عباس : أن القائلين هم اليهود ، وعن الحسن أنهم مشركو العرب . وعن السدّيّ أنهم المنافقون .

قال الراغب : ولا تنافي بين أقوالهم فكل قد عابوا ، وكل سفهاء .

( تنبيه ) ظاهر قوله تعالى : { سيقول السفهاء } إلخ أنه إخبار بقولهم المذكور . ثم إن الأخبار قبل وقوعه . وفائدته توطين النفس وإعداد ما يبكتهم ، فإن مفاجأة المكروه على النفس أشق وأشد . والجواب العتيد لشغب الخصم الألد أردّ ، مع ما فيه من دلائل النبوة حيث يكون إخبارا عن غيب ، فيكون معجزا { قل لله المشرق والمغرب } جواب عن شبهتهم . وتقريره أن الجهات كلها لله ملكا . فلا يستحق شيء منها لذاته أن يكون قبلة . بل إنما تصير قبلة لأن الله تعالى جعلها قبلة . فلا اعتراض عليه بالتحويل من جهة إلى أخرى . وما أمر به فهو الحق . { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فيه تعظيم أهل الإسلام وإظهار عنايته تعالى بهم وتفخيم شأن الكعبة . كما فخمه بإضافته إليه في قوله تعالى : { وطهّر بيتي } {[788]} .


[785]:أخرجه البخاري في: 65 – كتاب التفسير، 2 – سورة البقرة، 12 – باب {سيقول السفهاء من الناس}...
[786]:أخرجه مسلم في: 5 – كتاب المسجد ومواضع الصلاة، حديث 12. (طبعتنا).
[787]:أخرجه البخاري في: 8 – كتاب الصلاة، 32 – باب ما جاء في القبلة. وأخرجه مسلم في: 5 – كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث 13. (طبعتنا).
[788]:[22/ الحج/ 26] ونصها: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والركع السجود 26}.