محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (67)

67 { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم } .

{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } روى الإمام{[4422]} أحمد عن أنس قال : " استشار النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر فقال : " إن الله قد أمكنكم منهم " / فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ! اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم . ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمقالته وقال : إنما هم إخوانكم بالأمس ، وعاد عمر لمقالته ، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم . فقام أبو بكر الصديق فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ! نرى أن تعفو عنهم ، وأن تقبل منهم الفداء . قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كان فيه من الغم ، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء " .

وأخرج مسلم{[4423]} في ( أفراده ) من حديث عمر بن الخطاب ، قال ابن عباس : " لما أسروا الأسارى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله ! هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ؟ قال : قلت لا ، والله ! يا رسول الله ! ما أرى الذي رأى أبو بكر . ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من العباس ليضرب عنقه ، وتمكنني من فلان - نسيب لعمر- فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده . فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلتُ . فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي على أصحابك – من أخذهم الفداء . لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة- لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي . . . } الآية " . ذكره الحميدي في ( مسنده ) عن عمر بن الخطاب ، من أفراد مسلم بزيادة فيه .

ومعنى { ما كان لنبي } ما صح له وما استقام وقرئ { للنبيء } على العهد . والمراد / على كل نبينا صلى الله عليه وسلم ، وإنما نكر تلطفا فيه ، حتى لا يواجه بالعتاب . وقرئ { أسارى } . ومعنى { يثخن في الأرض } يكثر القتل ويبالغ فيه ، حتى يذل الكفر ، ويقل حزبه ويعز الإسلام ، ويستولي أهله . يقال : أثخن في العدو ، بالغ في قتله . كما في ( الأساس ) . وأثخن في الأرض قتلا إذا بالغ . وقال ابن الأعرابي : أثخن إذا غلب وقهر .

قال الرازي : وإنما حمله الأكثرون على القتل لأن الدولة إنما تقوى به قال المتنبي :

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدم

ولأنه يوجب قوة الرعب ، وشدة المهابة ، لذلك أمر تعالى به .

وقوله تعالى : { تريدون عرض الدنيا } أي متاعها الزائل ، بفداء أسارى بدر . و ( العرض ) ما لا ثبات له ولو جسماً . ومنه استعار المتكلمون ( العرض ) المقابل ( للجوهر ) ، قاله الشهاب : { والله يريد الآخرة } أي يريد لكم ثوابها { والله عزيز } أي غالب على ما أراد { حكيم } أي فيما يأمر به عباده .


[4422]:أخرجه في المسند بالصفحة رقم 243 من الجزء الثالث (طبعة الحلبي).
[4423]:أخرجه في : 32 كتاب الجهاد والسير، حديث رقم 58 (طبعتنا) وهو بعض من حديث طويل. فانظر.