محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَأَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (85)

ثم بين تعالى أن دوام غضبه عليهم لا ينافي إعطاءهم الأموال والأولاد ، بقوله سبحانه :

[ 85 ] { ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون 85 } .

{ ولا تعجبك أموالهم وأولادهم } أي لأنه لم يرد الله الإنعام عليهم بها ، ليدل على/ رضاه عنهم ، بل الانتقام منهم ، قال : { إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا } أي بالمشقة في تحصيلها وحفظها والحزن عليها { وتزهق أنفسهم وهم كافرون } أي فيموتون كافرين غافلين عن التدبر في العواقب . وقد تقدمت الآية في هذه السورة مع تغاير في ألفاظها .

قال الزمخشري : أعيد قوله : { ولا تعجبك } ، لأن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده ، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ، ولا يسهو عنه ، وأن يعتقد أن العمل به مهم ، يفتقر إلى فضل عناية به ، لاسيما إذا تراخى ما بين النزولين ، فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه ، فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ، ويتخلص إليه . وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يحب أن يحذر منه . انتهى .

وقال الفارسي : ليست للتأكيد ، لأن تيك في قوم ، وهذه في آخرين . وقد تغاير نطقها ، فهنا : { ولا } ، بالواو لمناسبة عطف نهي على نهي قبله في قوله : { ولا تصل . . . } الخ فناسب الواو . وهناك بالفاء ، لمناسبة التعقيب لقوله قبله : { ولا ينفقون إلا وهم كارهون } أي للإنفاق . فهم معجبون بكثرة الأموال والأولاد ، فنهى عن الإعجاب المتعقب له . وهنا : أولادهم ، دون ( لا ) ، لأنه نهي عن الإعجاب بهما مجتمعين ، وهناك زيادة ( لا ) ، لأنه نهى كل واحد واحد ، فدل مجموع الآيتين على النهي عن الإعجاب بهما مجتمعين ومنفردين . وهنا { أن يعذبهم } وهناك { ليعذبهم } بلام التعليل . وحذف المفعول . أي إنما يريد اختبارهم بالأموال والأولاد وهنا المراد التعذيب ، فقد اختلف متعلق الإرادة فيهما ظاهرا ، وهناك { في الحياة الدنيا } ، وهنا { في الدنيا } ، تنبيها على أن حياتهم كلا حياة فيها ، وناسب ذكرها بعد الموت ، فكأنهم أموات أبدا . انتهى .