محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَـٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (86)

وقوله تعالى :

/ [ 86 ] { وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين 86 } .

[ 87 ] { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون 87 } .

{ وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين } .

{ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون } إنكار وذم للمتخلفين عن الجهاد ، الناكلين عنه ، مع وجود الطّول الذي هو الفضل والسعة ، وإخبار بسوء صنيعهم ، إذ رضوا بالعار والقعود مع الخوالف ، لحفظ البيوت ، وهن النساء . وذلك لإيثارهم حب المال على حب الله ، وأنه بسبب ذلك { طبع على قلوبهم } أي ختم عليها ، { فهم لا يفقهون } ، أي ما في حب الله والتقرب إليه بالجهاد من الفوز والسعادة ، وما في التخلف من الشقاء والهلاك .

فوائد

الأولى- قال الزمخشريّ : يجوز أن يراد السورة بتمامها ، وأن يراد بعضها ، في قوله : { وإذا أنزلت سورة } كما يقع ( القرآن ) و ( الكتاب ) على كله وعلى بعضه . وقيل : هي ( براءة ) ، لأن فيها الأمر بالإيمان والجهاد . انتهى .

وقيل : المراد كل سورة ذكر فيها الإيمان والجهاد .

قال الشهاب : وهذا أولى وأفيد ، لأن استئذانهم عند نزول آيات براءة علم ما مرّ . وقد قيل : إن ( إذا ) تفيد التكرار بقرينة المقام لا بالوضع ، وفيه كلام مبسوط في محله .

/ الثانية – إنما خص ذوي الطّول ، لأنهم المذمومون ، وهم من له قدرة مالية ، ويعلم منه البدنية أيضا بالقياس .

الثالثة - الخوالف : جمع ( خالفة ) ، وهي المرأة المتخلفة عن أعمال الرجال ، والمراد ذمهم وإلحاقهم بالنساء ، كما قال{[4615]} :

كتب القتل والقتال علينا *** وعلى الغانيات جر الذيول

والخالفة تكون بمعنى من لا خير فيه ، والتاء فيه للنقل للاسمية ، فإن أريد ههنا ، فالمقصود من لا فائدة فيه للجهاد . وجمع على فواعل على الوجهين : أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلتأنيث لفظه ، لأن ( فاعلا ) لا يجمع على ( فواعل ) في العقلاء الذكور ، إلا شذوذا ، كنواكس . أفاده الشهاب .


[4615]:قائله عمر بن أبي ربيعة. انظر الكامل للمبرد ص 986 (طبعة الحلبي).