اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَأَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (85)

قوله تعالى : { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ } الآية .

قيل : هذا تأكيدٌ للآيةِ السَّابقة . وقال الفارسيُّ : " ليست للتأكيد ؛ لأنَّ تيكَ في قومٍ وهذه في آخرين ، وقد تغاير لفظا الآيتين ؛ فهنا " ولاَ " بالواو ، لمناسبة عطف نَهْي على نَهْي قبله في قوله : " ولا تُصَلِّ . . ولا تَقُمْ " ، " ولاَ تُعْجِبكَ " ، فناسبَ ذلك " الواو " ، وهناك ب " الفاء " ، لمناسبة تعقيب قوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ التوبة : 54 ] أي : للإنفاق ، فهم مُعْجَبون بكثرة الأموالِ والأولادِ ، فنهاهُ عن الإعجاب ب " فاء " التعقيب . وهنا " وأولاَدهُمْ " دون " لا " نهيٌ عن الإعجاب بهما مجتمعين ، وهناك بزيادة " لا " لأنَّه نهيٌ عن كل واحد واحد ، فدلَّ مجموعُ الآيتين على النَّهي بالإعجاب بهما مجتمعين ومنفردين " .

قال ابنُ الخطيبِ{[18022]} " السَّبَبُ فيه : أنَّ مثل هذا التَّرتيب يبتدأُ فيه بالأدْنَى ثمَّ يترقَّى إلى الأشرف ، فيقال : لا يُعْجِبُنِي أمر الأمير ، ولا أمر الوزير ، وهذا يدلُّ على أنه كان إعجاب أولئك الأقوام بأولادهم فوق إعجابهم بأموالهم ، وفي هذه الآية يدل على عدم التفاوت بين الأمرين عندهم " .

وهنا قال " أن يُعذِّبَهُم " ، وهناك قال " ليُعَذِّبَهُم " ، فأتى ب " اللاَّم " المشعرة بالغلية ومفعول الإرادةِ محذوفٌ ، أي : إنَّما يريد الله اختبارهم بالأموالِ والأولادِ - وأتى ب " أنْ " ؛ لأنَّ مصبَّ الإرادة التَّعذيبُ ، أي : إنَّما يريد الله تَعْذيبَهُم ، فقد اختلف مُتعلَّقُ الإرادة في الآيتين . هذا هو الظَّاهر . وقال ابنُ الخطيب " فائدته : التَّنبيه على أنَّ التعليلَ في أحكام الله تعالى محالٌ ، وإنَّما ورد حرفُ التعليل زائداً ومعناه " أنْ " لقوله تعالى { وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله } [ البينة : 5 ] ، أي : " وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله " . وهناك " فِي الحياةِ الدُّنْيَا " ، وهنا سقطت " الحَيَاة " ، تنبيهاً على خِسِّيَّة الدُّنْيَا وأنَّها لا تَسْتحق أن تُسمَّى حياة ، لا سيما وقد ذُكرت بعد ذكر موتِ المنافقين ؛ فناسبَ ألاَّ تُسَمَّى حياة " .


[18022]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 16/123.