تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

ثم ذكر بعد ذلك عظيمَ قدرته وسلطانه ، وبديعَ خَلْقه لهذا الكونِ العجيب الفسيح يجري أمرُه فيه ، { لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَا } . صدق الله العظيم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

{ الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سموات } مبتدأ وخبر { وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } أي وخلق من الأرض مثلهن على أن { مِثْلَهُنَّ } مفعول لفعل محذوف . والجملة عطف على الجملة قبلها ، وقيل : { مِثْلَهُنَّ } عطف على سبع سماوات ، وإليه ذهب الزمخشري ، وفيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف والمعطوف وهو مختص بالضرورة عند أبي علي الفارسي ، وقرأ المفضل عن عاصم . وعصمة عن أبي بكر { مِثْلَهُنَّ } بالرفع على الابتداء { وَمِنَ الأرض } الخبر .

والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف فقال الجمهور : هي ههنا في كونها سبعاً وكونها طباقاً بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض وفي كل أرض سكان من خلق الله عز وجل لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى ، وعن ابن عباس أنهم إما ملائكة . أو جن ، وأخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم . والحاكم وصححه . والبيهقي في «شعب الإيمان » . وفي الأسماء والصفات من طريق أبي الضحى عنه أنه قال في الآية : سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى ، قال الذهبي : إسناده صحيح ولكنه شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاً . وذكر أبو حيان في البحر نحوه عن الحبر وقال : هذا حديث لا شك في وضعه وهو من رواية الواقدي الكذاب .

وأقول لا مانع عقلاً ولا شرعاً من صحته ، والمراد أن في كل أرض خلقاً يرجعون إلى أصل واحد رجوع بني آدم في أرضنا إلى آدم عليه السلام ، وفيه أفراد ممتازون على سائرهم كنوح وإبراهيم وغيرهما فينا .

وأخرج ابن أبي حاتم . والحاكم وصححه عن ابن عمر مرفوعاً " أن بين كل أرض والتي تليها خمسمائة عام والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك والثانية مسجن الريح والثالثة فيها حجارة جهنم والرابعة فيها كبريتها والخامسة فيها حياتها والسادسة فيها عقاربها والسابعة فيها سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه يطلقه الله تعالى لمن يشاء " وهو حديث منكر كما قال الذهبي لا يعول عليه أصلاً فلا تغتر بتصحيح الحاكم ، ومثله في ذلك أخبار كثيرة في هذا الباب لولا خوف الملل لذكرناها لك لكن كون ما بين كل أرضين خمسمائة سنة كما بين كل سماءين جاء في أخبار معتبرة كما روى الإمام أحمد . والترمذي عن أبي هريرة قال : " بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ، قال : هل تدرون ما بينكم وبينها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : بينكم وبينها خمسمائة عام ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : سماء وإن بعد ما بينهما خمسمائة سنة ؛ ثم قال كذلك حتى عد سبع سموات ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : وإن فوق ذلك العرش بينه وبين السماء بعدما بين السماءين ، ثم قال : هل تدرون ما تحتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنها الأرض ، ثم قال : هل تدرون ما تحت ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد صلى الله عليه وسلم سبع أرضين ما بين كل أرضين خمسمائة سنة " والإخبار في تقدير المسافة بما ذكر بين كل سماءين أكثر من الأخبار في تقديرها بين كل أرضين وأصح ، ومنها ما هو مذكور في صحيح البخاري . وغيره من الصحاح ، وفيها أيضاً أن ثخن كل سماء خمسمائة عام فقول الرازي في ذلك إنه غير معتبر عند أهل التحقيق كلام لا يخفي بشاعته على من سلك من السنة أقوم طريق ، نعم ما حكاه من أن السماء الأولى موج مكفوف . والثانية صخر . والثالثة حديد ، والرابعة نحاس . والخامسة فضة . والسادسة ذهب . والسابعة ياقوت ليس بمعتبر أصلاً ولم يرد بما تضمنه من التفصيل خبر صحيح لكن في قوله : إنه مما يأباه العقل إن أراد به نفي الإمكان عقلاً منع ظاهر ، وقال الضحاك : هي في كونها سبعاً بعضها فوق بعض لا في كونها كذلك مع وجود مسافة بين أرض وأرض ، واختاره بعضهم زاعماً أن المراد بهاتيك السبع طبقة التراب الصرفة المجاورة للمركز . والطبقة الطينية . والطبقة المعدنية التي يتكون فيها المعادن . والطبقة الممتزجة بغيرها المنكشفة التي هي مسكن الإنسان ونحوه من الحيوان وفيها ينبت النبات . وطبقة الأدخنة . والطبقة الزمهريرية . وطبقة النسيم الرقيق جداً ، ولا يخفي أنه أشبه شيء بالهذيان ، ومثله ما يزعمه بعض الناظرين في كتب العلوم المسماة بالحكمة الجديدة من أن الأرض انفصلت بسبب بعض الحوادث من بعض الأجرام العلوية صغيرة ثم تكونت فوقها طبقة وهكذا حتى صار المجموع سبعاً ، وزعم أنهم شاهدوا بين كل طبقة وطبقة آثاراً من مخلوقات مختلفة ، وقال أبو طالح : هي في كونها سبعاً لا غير فهي سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض يفرق بينها البحار ، ويظل جميعها السماء ، وروى ذلك عن ابن عباس فالنسبة بين أرض وأرض على هذا نحو نسبة أمريقيا إلى آسيا . أو أوروبا . أو أفريقيا لكن قيل : إن تلك البحار الفارقة لا يمكن قطعها .

وقيل : من الأقاليم السبعة وهي مختلفة الحرارة والبرودة والليل والنهار إلى أمور أخرى ، واختاره بعضهم ولا أظنه شيئاً لأن المتبادر اعتبار انفصال أرض عن أرض انفصالاً حقيقياً في المثلية ، وقيل : المثلية في الخلق لا في العدد ولا في غيره فهي أرض واحدة مخلوفة كالسماوات السبع ، وأيد بأن الأرض لم تذكر في القرآن إلا موحدة ، ورد بأنه قد صح من رواية البخاري وغيره «اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن » الحديث ، وكذا صح «من غصب قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين » وأصح الأقوال كما قال القرطبي قول الجمهور السابق ، وعليه اختلف في مشاهدة أهل ما عدا هذه الأرض السماء واستمدادهم الضوء منها فقيل : إنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها .

وقيل : إنهم لا يشاهدون السماء وأن الله عز وجل خلق لهم ضياءاً يشاهدونه ، وروى الإمامية عن بعض الأئمة نحواً مما قاله الجمهور ، أخرج العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا رضي الله تعالى عنه قال : بسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال : «هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا عليها قبة ، والأرض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة ، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة حتى ذكر الرابعة والخامسة والسادسة فقال : والأرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرض الرحمن فوق السماء السابعة ، وهو قوله تعالى : { سَبْعَ سموات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } » الخ .

وأنا أقول بنحو ما قاله الجمهور راجياً العصمة ممن على محور إرادته تدور أفلاك الأمور : هي سبع أرضين بين كل أرض وأرض منها مسافة عظيمة ، وفي كل أرض خلق لا يعلم حقيقتهم إلا الله عز وجل ولهم ضياء يستضيئون به ، ويجوز أن يكون عندهم ليل ونهار ولا يتعين أن يكون ضياؤهم من هذه الشمس ولا من هذا القمر ، وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار يزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه فليكن ما نقول به من الأرضين على هذا النحو ، وقد قالوا : أيضاً إن هذه الشمس في عالم هي مركز دائرته وبلقيس مملكته بمعنى أن جميع ما فيه من كواكبهم السيارة تدور عليها فيه على وجه مخصوص ونمط مضبوط ، وقد تقرب إليها فيه وتبعد عنها إلى غاية لا يعلمها إلا الله تعالى كواكب ذوات الأذناب ، وهي عندهم كثيرة جداً تتحرك على شكل بيضي وإن الشمس بعالمها من توابع كوكب آخر تدور عليه دوران توابعها من السيارات عليها هو فيما نسمع أحد كواكب النجم ، ولهم ظن في أن ذلك أيضاً من توابع كوكب آخر وهكذا ، وملك الله تعالى العظيم عظيم لا تكاد تحيط به منطقة الفكر ويضيق عنه نطاق الحصر ، وسماء كل عالم كالقمر عندهم ما انتهى إليه هواؤه حتى صار ذلك الجرم في نحو خلاء فيه لا يعارضه ولا يضعف حركته شيء .

والجسم متى تحرك في خلاء لا يسكن لعدم المعارض فليكن كل أرض من هذه الأرضين محمولة بين القدرة بين كل سماءين على نحو ما سمعت عن الرضا على آبائه وعليه السلام ، وهناك ما يستضيء به أهلها سابحاً في فلك بحر قدرة الله عز وجل ونسبة كل أرض إلى سمائها نسبة الحلقة إلى الفلاة وكذا نسبة السماء إلى السماء التي فوقها ، ويمكن أن تكون الأرضون وكذا السماوات أكثر من سبع . والاقتصار على العدد المذكور الذي هو عدد تام لا يستدعي نفي الزائد فقد صرحوا بأن العدد لا مفهوم له والسماء الدنيا منتهى دائرة يتحرك فيها أعلى كوكب من السيارات وبينها وبين هذه الأرض بعد بعيد .

وقوله صلى الله عليه وسلم : «خمسمائة عام » من باب التقريب للإفهام ، ويقرب الأمر إذا اعتبر ذلك بالنسبة إلى الراكب المجد كما وقع في كثير من أخبار فيها تقدير مسافة ، وقوله عليه الصلاة والسلام في السماء الدنيا : «موج مكفوف » يمكن أن يكون من التشبيه البليغ في اللطافة ونحوها أو هو على حقيقته والتنوين فيه للنوعية حتى يقوم الدليل العقلي الصحيح على امتناعها ، وتزيين هذه السماء بالكواكب لظهورها فيها على ما يشاهد فلا يضر في ذلك كونها كلاً أو بعضاً فوقها أو تحتها ، ولم يقم دليل على أن شيئاً من الكواكب مغروز في شيء من السماوات كالفص في الخاتم والمسمار في اللوح ، بل في بعض الأخبار ما يدل على خلافه ، نعم أكثر الأخبار في أمر السماوات والأرض والكواكب لا يعول عليها كما أشار إليه النسفي في بحر الكلام ، وكذا ما قاله قدماء أهل الهيئة ومحدثوهم ، وفي كل مما ذهب الفريقان إليه ما يوافق أصولنا وما يخالفه وما شريعتنا ساكتة عنه لم تتعرض له بنفي أو إثبات ، وحيث كان من أصولنا أنه متى عارض الدليل العقلي الدليل السمعي وجب تأويل الدليل السمعي للدليل العقلي لأنه أصله ولو أبطل به لزم بطلانه نفسه فالأمر سهل لأن باب التأويل أوسع من فلك الثوابت ولا أرى بأساً في ارتكاب تأويل بعض الظواهر المستبعدة بما لا يستبعد وإن لم يصل الاستبعاد إلى حد الامتناع إذا تضمن ذلك مصلحة دينية ولم يستلزم مصادمة معلوم من الدين بالضرورة ، وقد يلتزم الإبقاء على الظاهر وتفويض الأمر إلى قدرة الله تعالى التي لا يتعاصاها شيء رعاية لأذهان العوام المقيدين بالظواهر الذين يعدون الخروج عنها لاسيما إلى ما يوافق الحكمة الجديدة ضلالاً محضاً وكفراً صرفاً ؛ ورحم الله تعالى امرءاً جب الغيبة عن نفسه .

وقد أخرج عبد بن حميد . وابن الضريس . وابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس في هذه الآية قال : لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم بتكذيبكم بها ، وبالجملة من صدق بسعة ملك الله تعالى وعظيم قدرته عز وجل لا ينبغي أن يتوقف في وجود سبع أرضين على الوجه الذي قدمناه ، ويحمل السبع على الأقاليم أو على الطبقات المعدنية والطينية ونحوهما مما تقدم ، وليس في ذلك ما يصادم ضرورياً من الدين أو يخالق قطعياً من أدلة المسلمين ، ولعل القول بذلك التعدد هو المتبادر من الآية ، وتقتضيه الأخبار ، ومع هذا هو ليس من ضروريات الدين فلا يكفر منكره أو المتردد فيه لكن لا أرى ذلك إلا عن جهل بما هو الأليق بالقدرة والأحرى بالعظمة ، والله تعالى الموفق للصواب .

{ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ } أي يجري أمر الله تعالى وقضاؤه وقدره عز وجل بينهن وينفذ ملكه فيهن ، وأخرج ابن المنذر . وغيره عن قتادة قال : في كل سماء وفي كل أرض خلق من خلقه تعالى وأمر من أمره وقضاء من قضائه عز وجل ، وقيل : { يَتَنَزَّلُ الامر بَيْنَهُنَّ } بحياة وموت وغنى وفقر ، وقيل : هو ما يدبره سبحانه فيهن من عجيب تدبيره جل شأنه ، وقال مقاتل . وغيره : { الامر } هنا الوحي ، و { بَيْنَهُنَّ } إشارة إلى بين هذه الأرض التي هي أدناها وبين السماء السابعة ، والأكثرون على أنه القضاء والقدر كما سبق ، وأن { بَيْنَهُنَّ } إشارة إلى بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها ؛ وقرأ عيسى . وأبو عمرو في رواية ينزل مضارع نزل مشدداً { الامر } بالنصب أي ينزل الله الأمر { لّتَعْلَمُواْ أَنَّ الله على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } متعلق بخلق أو بيتنزل أو بمضمر يعمهما أي فعل ذلك لتعلموا أن من قدر على ما ذكر قادر على كل شيء ، وقيل : التقدير أخبرتكم أو أعلمتكم بذلك لتعلموا ، وقرئ ليعلموا بياء الغيبة .

{ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شيء عِلْمَا } لاستحالة صدور هذه الأفاعيل ممن ليس كذلك .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

قوله تعالى : { الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزّل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } يبين الله للناس بالغ قدرته وعظيم سلطانه وجبروته ، فهو الخالق المهيمن المقتدر الذي خلق سبع سماوات طباقا ، أي بعضها فوق بعض { ومن الأرض مثلهنّ } مثلهن ، منصوب بتقدير فعل . أي ومن الأرض خلق مثلهن{[4572]} يعني وخلق من الأرض سبعا . واختلفوا في هيئة هذه الطبقات السبع من الأرض . فقد قيل : سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض ، وبين الواحدة والتي تليها مسافة عظيمة . وقيل : خلق الله سبعا من الأرضيين مطبق بعضها على بعض من غير فتوق بينها أو مسافات . و الله أعلم بالحقيقة والصواب .

قوله : { يتنزّل الأمر بينهن } المراد بالأمر المنزّل بين السماء والأرض ، قضاء الله وقدره . أو تصرفه في شؤون خلقه أو تدبير أمرهم من إنزال المطر وإخراج النبات وخلق الليل والنهار والحيوان والإنسان وغير ذلك من وجوه التدبير والخلق .

قوله : { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير } أي ليستبين لكم وتوقنوا أن الله قادر على فعل ما يشاء { وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } أي ولتعلموا وتوقنوا بأن الله محيط علمه بكل شيء .


[4572]:البيان لابن النباري جـ 2 ص 445.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ "لا ما يعبده المشركون من الاَلهة والأوثان التي لا تقدر على خلق شيء.

وقوله: "وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ" يقول: وخلق من الأرض مثلهنّ...

وقوله: "يَتَنَزّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنّ" يقول تعالى ذكره: يتنزّل أمر الله بين السماء السابعة والأرض السابعة...

وقوله: "لِتَعْلَمُوا أنّ اللّهَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ" يقول تعالى ذكره: ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك كي تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه، وأنه لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه أمر شاءه، ولكنه على ما يشاء قدير.

"وأنّ اللّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلّ شَيْء عِلْما" يقول جلّ ثناؤه: ولتعلموا أيها الناس أن الله بكل شيء من خلقه محيط علما، لا يعزُب عنه مثقالُ ذرّة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. يقول جلّ ثناؤه: فخافوا أيها الناس المخالفون أمر ربكم عقوبته، فإنه لا يمنعه من عقوبتكم مانع، وهو على ذلك قادر، ومحيط أيضا بأعمالكم، فلا يخفي عليه منها خاف، وهو محصيها عليكم، ليجازيكم بها. يوم تجزى كلّ نفس ما كسبت...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(يتنزل الأمر بينهن) معناه يتنزل الأمر بالتدبير من الله بين السموات وبين الأرضين، بحياة بعض وموت بعض، وغنى إنسان وفقر غيره، وسلامة حي وهلاك آخر، وتصريف الأمور على الحكمة لا يكون إلا من قادر عالم وهو معنى قوله (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير)...

وقوله (وإن الله قد أحاط بكل شيء علما) معناه إن معلوماته متميزة له بمنزلة ما قد أحاط به فلم يفته منه شيء...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و {الأمر} هنا الوحي وجميع ما يأمر به تعالى من يعقل ومن لا يعقل، فإن الرياح والسحاب وغير ذلك مأمور كلها، وباقي السورة وعظ، وحض على توحيد لله عز وجل، وقوله تعالى: {على كل شيء قدير} عموم معناه الخصوص في المقدورات، وقوله {بكل شيء} عموم على إطلاقه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أي لكي تعلموا إذا تفكرتم في خلق السماوات والأرض، وما جرى من التدبير فيها أن من بلغت قدرته هذا المبلغ الذي لا يمكن أن يكون لغيره كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء عما أراده وقوله: {أن الله على كل شيء قدير} من قبل ما تقدم ذكره {و قد أحاط بكل شيء علما} يعني بكل شيء من الكليات والجزئيات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، عالم بجميع الأشياء وقادر على الإنشاء بعد الإفناء، فتبارك الله رب العالمين...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يقول تعالى مخبرا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم ليكون ذلك باعثًا على تعظيم ما شرع من الدين القويم {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} كقوله تعالى إخبارًا عن نوح أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: 15] وقال تعالى {تُسَبّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والأرْضُ وَمَن فِيهنَّ} [الإسراء: 44]. وقوله تعالى {وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} أي سبعا أيضا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{الله} أي الذي له جميع صفات الكمال التي القدرة الشاملة إحداها، ثم أخبر عنه بما يدل على ذلك لأن الصنعة تدل على الصانع وعلى ما له من الصفات فقال: {الذي خلق} أي أوجد وحده من العدم بقدرته على وفق ما دبر بعلمه على هذا المنوال البديع القريب {سبع سماوات} أي وإنهم يشاهدون عظمة ذلك ويشهدون أنه لا يقدر عليه إلا تام العلم كامل القدرة، ثم زاد على ذلك ما أنتم أعرف به فقال: {ومن الأرض مثلهن}... {لتعلموا} أي بهذا العالم الذي أوجده بتسوية كل واحد من القبيلين سبعاً كل واحدة بينها وبين الأخرى مسافة بعيدة مع الكثافة الزائدة وأنتم تعلمون أنه لا يفصل الجسم ولا سيما الكثيف عن آخر مثله إلا فاصل قاهر بقوة باهرة وقدرة ظاهرة وعلم شامل لما يحتاج إليه ذلك...

{أن الله} أي الملك الأعلى الذي له الإحاطة كلها {على كل شيء} أي من غير هذا العالم ممكن أن يدخل تحت المشيئة فإنه بمعنى مفعول من عالم آخر مثل هذا العالم، وأبدع منه وأبدع من ذلك الإبداع إلى ما لا نهاية له بالاستدلال بهذا العالم، فإن من قدر على إيجاد ذرة من العدم قدر على إيجاد ما هو دونها ومثلها وفوقها إلى ما لا نهاية له لأنه لا فرق في ذلك بين قليل ولا كثير جليل أو حقير... {قدير} أي بالغ القدرة...

(وأن الله) أي الذي له جميع صفات الكمال {قد أحاط} لتمام قدرته {بكل شيء} مطلقاً، ولما أسند الإحاطة إليه سبحانه تعظيماً لها، بين جهتها بتمييز محول عن الفاعل فقال: {علماً} فله الخبرة التامة بما يأمر به من الأحكام في العلم بمصالحه ومفاسده فعاملوه معاملة من يعلم إحاطة علمه فيعلم أنه رقيب عليه فإذا طلقتم فافعلوا ما أمركم به لتسلموا في الدين وتسعدوا في الآخرة والأولى...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والإشارة إلى هذا الكون الهائل: (سبع سماوات ومن الأرض مثلهن).. يهول الحس ويقف القلب وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد قدرة الخالق، وسعة ملكه، تصغر أمامه هذه الأرض كلها، فضلا على بعض ما فيها، فضلا على حادث من أحداثها. فضلا على دريهمات ينفقها الزوج أو تتنازل عنها الزوجة! وبين هذه السماوات السبع والأرض أو الأرضين السبع يتنزل أمر الله -ومنه هذا الأمر الذي هم بصدده في هذا السياق. فهو أمر هائل إذن، حتى بمقاييس البشر وتصوراتهم في المكان والزمان بقدر ما يطيقون التصور. والمخالفة عنه مخالفة عن أمر تتجاوب به أقطار السماوات والأرضين، ويتسامع به الملأ الأعلى وخلق الله الآخرون في السماوات والأرضين. فهي مخالفة بلقاء شنعاء، لا يقدم عليها ذو عقل مؤمن، جاءه رسول يتلو عليه آيات الله مبينات، ويبين له هذا الأمر، ليخرجه من الظلمات إلى النور.. وهذا الأمر يتنزل بين السماوات والأرض، لينشئ في قلب المؤمن عقيدة أن الله على كل شيء قدير؛ فلا يعجزه شيء مما يريد. وأنه أحاط بكل شيء علما؛ فلا يند عن علمه شيء مما يكون في ملكه الواسع العريض، ولا مما يسرونه في حنايا القلوب. ولهذه اللمسة قيمتها هنا من وجهين: الأول أن الله الذي أحاط بكل شيء علما هو الذي يأمر بهذه الأحكام. فقد أنزلها وهو يحيط بكل ظروفهم وملابساتهم ومصالحهم واستعداداتهم. فهي أولى بالاتباع لا يلتفتون عنها أدنى التفات؛ وهي من وضع العليم المحيط بكل شيء علما. والثاني أن هذه الأحكام بالذات موكولة إلى الضمائر، فالشعور بعلم الله واطلاعه على كل شيء هو الضمان لحساسية هذه الضمائر، في شأن لا يجدي فيه شيء إلا تقوى الله العليم بذات الصدور. وهكذا تختم السورة بهذا الإيقاع الذي يهول ويروع، بقدر ما يحرك القلوب لتخبت وتطيع. فسبحان خالق القلوب، العليم بما فيها من المنحنيات والدروب!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

اسم الجلالة خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الله...

فإنه بعد أن جرى ذكر شؤون من عظيم شؤون الله تعالى ابتداء من قوله: {واتقوا الله ربكم} [الطلاق: 1] إلى هنا، فقد تكرر اسم الجلالة وضميره والإِسناد إليه زهاء ثلاثين مرة فاقتضى المقام عقب ذلك أن يُزاد تعريف الناس بهذا العظيم... والموصول صفة لاسم الجلالة وقد ذُكرت هذه الصلة لما فيها من الدلالة على عظيم قدرته تعالى، وعلى أن الناس وهم من جملة ما في الأرض عبيده، فعليهم أن يتقوه، ولا يتعدوا حدوده، ويحاسبوا أنفسهم على مدى طاعتهم إياه فإنه لا تخفى عليه خافية، وأنه قدير على إيصال الخير إليهم إن أطاعوه وعقابهم إن عصوه. وفيه تنويه بالقرآن لأنه من جملة الأمر الذي يتنزل بين السماء والأرض...

وقوله: {ومن الأرض مثلهن}... مماثلة الأرض للسماوات في دلالة خلقها على عظيم قدرة الله تعالى، أي أن خلْق الأرض ليس أضعف دلالة على القدرة من خلق السماوات لأن لكل منهما خصائص دالة على عظيم القدرة...

وفي إفراد لفظ {الأرض} دون أن يُؤتى به جمعاً كما أُتي بلفظ السماوات إيذان بالاختلاف بين حاليهما...

واللام في قوله {لتعلموا} لام كي وهي متعلقة ب {خلق}. والمعنى: أن مما أراده الله من خلقه السماوات والأرض، أن يعلم الناس قدرة الله على كل شيء وإحاطة علمه بكل شيء. لأن خلق تلك المخلوقات العظيمة وتسخيرها وتدبير نظامها في طول الدهر يدل أفكار المتأملين على أن مبدعها يقدر على أمثالها فيستدلوا بذلك على أنه قدير على كل شيء لأن دلالتها على إبداع ما هو دونها ظاهرة، ودلالتها على ما هو أعظم منها وإن كانت غير مشاهدة، فقياس الغائب على الشاهد يدل على أن خالق أمثالها قادر على ما هو أعظم. وأيضا فإن تدبير تلك المخلوقات بمثل ذلك الإتقان المشاهد في نظامها، دليل على سعة علم مبدعها وأحاطته بدقائق ما هو دونها، وأن من كان علمه بتلك المثابة لا يظن بعلمه إلا الإحاطة بجميع الأشياء...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هذه الآية هي آخر آية من سورة الطلاق، وفيها إشارة معبّرة وصريحة إلى عظمة وقدرة البارئ جلّ شأنه في خلق السموات والأرض وبيان الهدف النهائي للخلق، ثمّ تكمل الآية الأبحاث التي وردت في الآيات السابقة حول الثواب العظيم الذي أعدّه الله للمؤمنين المتّقين، والعهود التي قطعها على نفسه لهم فيما يخصّ حلّ مشاكلهم المعقّدة. إذ من الطبيعي أنّ الذي أوجد هذا الخلق العظيم له القدرة على الوفاء بالعهود سواءً في هذا العالم أو العالم الآخر...

يشير تعالى إلى إدارة هذا العالم الكبير وتدبيره بقوله جلّ شأنه (يتنزّل الأمر بينهنّ). وواضح أنّ المراد من «الأمر» هنا هو الأمر التكويني لله تعالى في خصوص إدارة وتدبير هذا العالم الكبير، فهو الهادي وهو المرشد وهو المبدع لهذا المسار الدقيق المنظّم، والحقيقة أنّ هذه الآية تشبه الآية (4) من سورة السجدة حيث تقول: (يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض). على أي حال فإنّ هذا العالم سيفنى ويتلاشى إذا ما رفعت عنه يد التدبير والهداية الإلهية لحظة واحدة. وأخيراً يشير تعالى إلى الهدف من وراء هذا الخلق العظيم حيث يقول: (لتعلموا أنّ الله على كلّ شيء قدير وأنّ الله قد أحاط بكلّ شيء علماً). كم هو تعبير لطيف، إذ يعتبر الهدف من هذا الخلق العظيم هو تعريف الإنسان بصفات الله في علمه وقدرته، وهما صفتان كافيتان لتربية الإنسان. ومن ثمّ يجب أن يعلم الإنسان أنّ الله محيط بكلّ أسرار وجوده، عالم بكلّ أعماله ما ظهر منها وما بطن. ثمّ يجب أن يعلم الإنسان أنّ وعد الله في البعث والمعاد والثواب والعقاب وحتمية انتصار المؤمنين، كلّ ذلك غير قابل للتخلّف والتأخّر. نعم، إنّ هذا الخالق العظيم الذي له هذه «القدرة والعلم» والذي يدير هذا العالم بأجمعه، لابدّ أنّ أحكامه على صعيد تنظيم علاقات البشر وقضايا الطلاق وحقوق النساء ستكون بمنتهى الدقّة والإتقان...