ثم بين ما للفريقين فقال{ إنا أعتدنا للكافرين سلاسل } يعني : في جهنم . قرأ أهل المدينة والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : سلاسلاً وقواريراً قوارير بالألف في الوقف ، وبالتنوين في الوصل فيهن جميعاً ، وقرأ حمزة ويعقوب بلا ألف في الوقف ، ولا تنوين في الوصل فيهن ، وقرأ ابن كثير قوارير الأولى بالألف في الوقف وبالتنوين في الوصل ، وسلاسل وقوارير الثانية بلا ألف ولا تنوين وقرأ أبو عمر ، وابن عامر وحفص سلاسلاً وقواريراً الأولى بالألف في الوقف على الخط وبغير تنوين في الوصل ، وقوارير الثانية بغير ألف ولا تنوين . قوله { وأغلالاً } يعني : في أيديهم ، تغل إلى أعناقهم ، { وسعيراً } وقوداً شديداً .
قوله تعالى : " إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا " بين حال الفريقين ، وأنه تعبد العقلاء وكلفهم ومكنهم مما أمرهم ، فمن كفر فله العقاب ، ومن وحد وشكر فله الثواب . والسلاسل : القيود في جهنم طول كل سلسلة سبعون ذراعا كما مضى في " الحاقة " {[15662]} . وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وهشام عن ابن عامر " سلاسلا " منونا . الباقون بغير تنوين . ووقف قنبل وابن كثير وحمزة بغير ألف . الباقون بالألف . فأما " قوارير " الأول فنونه نافع وابن كثير والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، ولم ينون الباقون . ووقف فيه يعقوب وحمزة بغير ألف . والباقون بالألف . وأما " قوارير " الثانية فنونه أيضا نافع والكسائي وأبو بكر ، ولم ينون الباقون . فمن نون قرأها بالألف ، ومن لم ينون أسقط منها الألف ، واختار أبو عبيد التنوين في الثلاثة ، والوقف بالألف اتباعا لخط المصحف . قال : رأيت في مصحف عثمان " سلاسلا " بالألف و " وقواريرا " الأول بالألف ، وكان الثاني مكتوبا بالألف فحكت فرأيت أثرها هناك بينا . فمن صرف فله أربع حجج : أحدها : أن الجموع أشبهت الآحاد فجمعت جمع الآحاد ، فجعلت في حكم الآحاد فصرفت . الثانية : أن الأخفش حكى عن العرب صرف جميع ما لا ينصرف إلا أفعل منك ، وكذا قال الكسائي والفراء : هو على لغة من يجر الأسماء كلها إلا قولهم هو أظرف منك فإنهم لا يجرونه ، وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول عمرو بن كلثوم :
كأن سيوفنا فينا وفيهم *** مَخَارِيقٌ بأيدي لا عبينَا
وجَزُورِ أيسارٍ دعوتُ لحَتْفِهَا *** بمغالِقٍ متشابِهٍ أجسامُهَا
فضلا وذو كَرَمٍ يعينُ على الندَى *** سَمْحٌ كَسُوبُ رغائبٍ غَنَّامُهَا
فصرف مخاريق ومغالق ورغائب ، وسبيلها ألا تصرف . والحجة الثالثة : أن يقول نونت قوارير الأول لأنه رأس آية ، ورؤوس الآي جاءت بالنون ، كقوله جل وعز : " مذكورا " . " سميعا بصيرا " فنونا الأول ليوقف بين رؤوس الآي ، ونونا الثاني على الجوار للأول . والحجة الرابعة : اتباع المصاحف ، وذلك أنهما جميعا في مصاحف مكة والمدينة والكوفة بالألف . وقد احتج من لم يصرفهن بأن قال : إن كل جمع بعد الألف منه ثلاثة أحرف أو حرفان أو حرف مشدد لم يصرف في معرفة ولا نكرة ، فالذي بعد الألف منه ثلاثة أحرف قولك : قناديل ودنانير ومناديل ، والذي بعد الألف منه حرفان قول الله عز وجل : " لهدمت صوامع " [ الحج : 40 ] لأن بعد الألف منه حرفين ، وكذلك قوله : " ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا " [ الحج : 40 ] . والذي بعد الألف منه حرف مشدد شواب ودواب . وقال خلف : سمعت يحيى بن آدم يحدث عن ابن إدريس قال : في المصاحف الأول الحرف الأول بالألف والثاني بغير ألف ، فهذا حجة لمذهب حمزة . وقال خلف : رأيت في مصحف ينسب إلى قراءة ابن مسعود الأول بالألف والثاني بغير ألف . وأما أفعل منك فلا يقول أحد من العرب في شعره ولا في غيره هو أفعل منك منونا ؛ لأن من تقوم مقام الإضافة فلا يجمع بين تنوين وإضافة في حرف ؛ لأنهما دليلان من دلائل الأسماء ولا يجمع بين دليلين . قال الفراء وغيره .
قوله تعالى : " وأغلالا " جمع غل تغل بها أيديهم إلى أعناقهم . وعن جبير بن نفير عن أبي الدرداء كان يقول : ارفعوا هذه الأيدي إلى الله جل ثناؤه قبل أن تغل بالأغلال . قال الحسن : إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار ؛ لأنهم أعجزوا الرب سبحانه ولكن إذلالا . " وسعيرا " تقدم القول فيه .
ولما قسمهم إلى القسمين{[70566]} ، ذكر{[70567]} جزاء كل قسم فقال مستأنفاً جواب من يسأل عن ذلك مبشراً للشاكر الذي استعد بعروجه في مراقي العبادات إلى ملكوت العلويات لروح وريحان وجنة نعيم ، ومنذراً للكافر الذي استعد بالهبوط في دركات المخالفات إلى التقيد بالسفليات لنزل من حميم وتصلية جحيم ، مقدماً للعاصي لأن طريق النشر المشوش أفصح ، وليعادل البداءة بالشاكر في أصل التقسيم ليتعادل الخوف والرجاء ، وليكون الشاكر أولاً وآخراً ، ولأن الانقياد بالوعيد أتم لأنه أدل على القدرة لا سيما في حق أهل الجاهلية الذين بعدت عنهم معرفة التكاليف الشرعية ، وأكثر في القرآن العظيم من الدعاء بالترغيب والترهيب لأنه الذي يفهمه الجهال الذين هم أغلب الناس دون الحجج والبراهين ، فإنها لا يفهمها إلا الخواص ، وأكد لأجل تكذيب الكفار{[70568]} : { إنا } أي على ما لنا من العظمة { أعتدنا } أي هيأنا وأحضرنا بشدة وغلظة { للكافرين } أي العريقين في الكفر خاصة ، وقدم الأسهل في العذاب فالأسهل ترقياً فقال : { سلاسلاً }{[70569]} يقادون ويرتقون{[70570]} بها ، وقراءة من نوّن مشيرة إلى أنها عظيمة جداً ، وكذا وقف أبي عمرو عليه بالألف مع المنع من الصرف { وأغلالاً } أي جوامع تجمع أيديهم إلى أعناقهم فيها فيهانون{[70571]} بها { وسعيراً * } أي ناراً حامية{[70572]} جداً شديدة الاتقاد .
قوله تعالى : { إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا } .
ذلك إخبار من الله عما توعّد به المشركين الظالمين من سوء العذاب والنكال ، وما وعد به المؤمنين الأبرار من كريم الجزاء في الجنة فقال سبحانه : { إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا } أرصد الله للجاحدين المكذبين { سلاسلا } يعني قيودا يوثقون بها في جهنم { وأغلالا } جمع غل وهو ما تغلّ به أيديهم إلى أعناقهم { وسعيرا } أي نارا متأججة متسعّرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.