العشيّ : من نصف النهار إلى آخره .
وبعد أن بيّن أنه ينصر رسله والمؤمنين خاطب الرسولَ الكريم أن يصبر ، وطمأنه إلى أن النصر له فقال : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ واستغفر لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار }
اصبر أيها الرسول ، على ما ينالك من الأذى من الناس ، إنّ وعد الله بنصرك ونصر المؤمنين حقٌّ لن يتخلف . ثم أكد عليه بأن لا يترك الاستغفار والدعاء والتسبيح بحمده دائماً صباحاً ومساء ، شكراً له على نعمه التي لا تحصى .
قوله تعالى : { هدى وذكرى لأولي الألباب* فاصبر } يا محمد على أذاهم ، { إن وعد الله } في إظهار دينك وإهلاك أعدائك ، { حق } قال الكلبي : نسخت آية القتال آية الصبر ، { واستغفر لذنبك } هذا تعبد من الله ليزيده به درجة ولصير سنة لمن بعده ، { وسبح بحمد ربك } صل شاكراً لربك ، { بالعشي والإبكار } قال الحسن : يعني صلاة العصر وصلاة الفجر . وقال ابن عباس : الصلوات الخمس .
قوله تعالى : " فاصبر " أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين ، كما صبر من قبلك " إن وعد الله حق " بنصرك وإظهارك ، كما نصرت موسى وبني إسرائيل . وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف . " واستغفر لذنبك " قيل : لذنب أمتك حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل : لذنب نفسك على من يجوز الصغائر على الأنبياء . ومن قال لا تجوز قال : هذا تعبد للنبي عليه السلام بدعاء ، كما قال تعالى : " وآتنا ما وعدتنا " [ آل عمران : 194 ] والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده . وقيل : فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة . " وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " يعني صلاة الفجر وصلاة العصر ، قاله الحسن وقتادة . وقيل : هي صلاة كانت بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية . عن الحسن أيضا ذكره الماوردي . فيكون هذا مما نسخ والله أعلم . وقوله : " بحمد ربك " بالشكر له والثناء عليه . وقيل : " وسبح بحمد ربك " أي استدم التسبيح في الصلاة وخارجا منها لتشتغل بذلك عن استعجال النصر .
ولما كان التقدير بعد أن تقدم الوعد المؤكد بنصرة الرسل وأتباعهم : ولقد آتيناك الهدى والكتاب كما آتينا موسى ، ولننصرنك مثل ما نصرناه وإن زاد إبراق قومك وإرعادهم ، فإنهم لا يعشرون فرعون فيما كان فيه من الجبروت والقهر والعز والسلطان والمكر ولم ينفعه شيء منه ، سبب عنه قوله : { فاصبر } أي على أذاهم فإنا نوقع الأشياء في أتم محالها على ما بنينا عليه أحوال هذه الدار من إجراء المسببات على أسبابها ، ثم علل ذلك بقوله صارفاً القول عن مظهر العظمة الذي هو مدار النصرة إلى اسم الذات الجامع لجميع الكمالات التي من أعظمها إنفاذ الأمر وصدق الوعد : { إن وعد الله } أي الذي له الكمال كله { حق } أي في إظهار دينك وإعزاز أمرك ، فقد رأيت ما اتفق لموسى عليه السلام مع أجبر أهل ذلك الزمان وما كان له من العاقبة ، قال القشيري : الصبر في انتظار الموعود من الحق على حسب الإيمان والتصديق ، فمن كان تصديقه ويقينه أتم وأقوى كان صبره أكمل وأوفى .
ولما تكفل هذا الكلام من التثبيت بانجاز المرام ، وكان من الأمر المحتوم أن لزوم القربات يعلى الدرجات فيوصل إلى قوة التصرفات ، أمر بالإعراض عن ارتقاب النصر والاشتغال بتهذيب الأحوال لتحصيل الكلام ، موجهاً الخطاب إلى أعلى الخلق ليكون من دونه من باب الأولى فقال : { واستغفر لذنبك } أي وهو كل عمل كامل ترتقي منه إلى أكمل ، وحال فاضل تصعد منه إلى أفضل ، فيكون ذلك شكرا منك لأن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فتستن بك أمتك ، وسماه ذنباً من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين " .
ولما أمره بالاستغفار عند الترقية في درجات الكمال ، المطلع على بحور العظمة ومفاوز الجلال ، أمره بالتنزيه عن شائبة نقص والإثبات لكل رتبة كمال ، لافتاً القول إلى صفة التربية والإحسان لأنه من أعظم مواقعها فقال : { وسبح } أي نزه ربك عن شائبة نقص كلما علمت بالصعود في مدارج الكمال نقص المخلوق في الذات والأعمال ملتبساً { بحمد ربك } أي إثبات الإحاطة باوصاف الكمال للمحسن إليك المربي لك ، ولا تشتغل عنه بشيء فإن الأعمال من أسباب الظفر . ولما كان المقام لإثبات قيام الساعة ، وكان العشي أدل عليها ، قدمه فقال : { بالعشي والإبكار * } فإن تقلبهما دائماً دل على كمال مقلبهما وقدرته على إيجاد المعدوم الممحوق كما كان وتسويته ، ومن مدلول الآية الحث على صلاتي الصبح والعصر ، وهما الوسطى لأنهما تشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بل على الصلوات الخمس - نقله البغوي . وذلك لأن العشى من زوال الشمس ، والأبكار من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.