مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

ولما بين أن الله تعالى ينصر رسله وينصر المؤمنين في الدنيا والآخرة وضرب المثال في ذلك بحال موسى وخاطب بعد ذلك محمدا صلى الله عليه وسلم فقال : { فاصبر إن وعد الله حق } فالله ناصرك كما نصرهم ومنجز وعده في حقك كما كان كذلك في حقهم ، ثم أمره بأن يقبل على طاعة الله النافعة في الدنيا والآخرة فإن من كان لله كان الله له .

واعلم أن مجامع الطاعات محصورة في قسمين التوبة عما لا ينبغي ، والاشتغال بما ينبغي ، والأول مقدم على الثاني بحسب الرتبة الذاتية فوجب أن يكون مقدما عليه في الذكر ، أما التوبة عما لا ينبغي فهو قوله { واستغفر لذنبك } والطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام يتمسكون به ونحن نحمله على التوبة عن ترك الأولى والأفضل ، أو على ما كان قد صدر عنهم قبل النبوة ، وقيل أيضا المقصود منه محض التعبد كما في قوله { ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك } فإن إيتاء ذلك الشيء واجب ثم إنه أمرنا بطلبه ، وكقوله { رب احكم بالحق } من أنا نعلم أنه لا يحكم إلا بالحق ، وقيل إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول فقوله { واستغفر لذنبك } من باب إضافة المصدر إلى المفعول أي واستغفر لذنب أمتك في حقك ، وأما الاشتغال بما ينبغي فهو قوله { وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } والتسبيح عبارة عن تنزيه الله عن كل ما لا يليق به ، والعشي والإبكار ، قيل صلاة العصر وصلاة الفجر ، وقيل الإبكار ، عبارة عن أول النهار إلى النصف ، والعشي عبارة عن النصف إلى آخر النهار ، فيدخل فيه كل الأوقات ، وقيل المراد طرفا النهار ، كما قال : { وأقم الصلاة طرفي النهار } وبالجملة فالمراد منه الأمر بالمواظبة على ذكر الله ، وأن لا يفتر اللسان عنه ، وأن لا يغفل القلب عنه ، حتى يصير الإنسان بهذا السبب داخلا في زمرة الملائكة ، كما قال في وصفهم { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } ، والله أعلم .