ثم يختم الله تعالى هذه السورة العظيمة بتهديد كبير ، ويلمّح لهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ، وذلك بحرمانهم من الماء الذي هو سبب الحياة الأول فيقول :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ }
قل لهم : أخبروني إن ذهب ماؤكم غائرا في الأرض ، ولم تستطيعوا الوصول إليه ، فمن يأتيكم بماء عذب جار تشربونه ؟ ولا جواب لكم إلا أن تقولوا : الله .
فلله الحمد والمنة ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
{ إن أصبح ماؤكم غوراً } : أي غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون .
{ بماء معين } : أي تراه العيون لجريانه على الأرض .
وقوله { قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غوراً } أي غائراً { فمن يأتيكم بماء معين } أي قل لهؤلاء المشركين يا رسولنا تذكيراً لهم أخبروني أن أصبح ماؤكم الذي تشربون منه ( بئر زمزم ) وغيرها غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون . فمن يأتيكم بماء معين غير الله تعالى ؟ والجواب لا أحد إذا فلم لا تؤمنون به وتوحدونه في عبادته وتتقربون إليه بالعبادات التي شرع لعبادة أن يعبدوه بها ؟
ثم أخبر عن انفراده بالنعم ، خصوصًا ، بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا } أي : غائرًا { فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } تشربون منه ، وتسقون أنعامكم وأشجاركم وزروعكم ؟ وهذا استفهام بمعنى النفي ، أي : لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى .
تمت ولله الحمد{[1186]} .
ولما افتتح سبحانه السورة بعظيم بركته وتمام قدرته وتفرده في مملكته ، ودل على ذلك بتفرده بالإماتة والإحياء ، ختم بمثل ذلك بالماء الذي وجوده هو {[67172]}سبب للحياة{[67173]} وعدمه سبب للموت ، فقال قارعاً بالتنبيه مشيراً بتكرير الأمر إلى مزيد التوبيخ والزجر والتبكيت دالاً على تعيين ما أبهم من أهل الضلال ، ومصرحاً بما لوح إليه{[67174]} من ذلك الإجمال . { قل } أي يا أعظم خلقنا وأعلمهم بنا : { أرءيتم } أي أخبروني إخباراً لا لبس فيه {[67175]}ولا خفاء{[67176]} ، ولما كان شديد العناية بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، سكن قلبه في وعيدهم بالإشارة إلى الرفق بهم لأجله ، فابتدأ الوعيد بحرف الشك فقال : { إن } ولما كانت{[67177]} النعمة أشد ما يكون إذا كانت في الصباح الذي هو موضع ارتقاب{[67178]} الفلاح قال : { أصبح مآؤكم } أي الذي تعدونه في أيديكم - بما نبهت عليه الإضافة .
ولما كان المقصود المبالغة ، جعله نفس المصدر فقال : { غوراً } أي نازلاً في الأرض بحيث لا يمكن لكم نيله بنوع حيلة - بما دل على ذلك الوصف{[67179]} بالمصدر { فمن يأتيكم } على ضعفكم حينئذ وافتقاركم ، وانخلاع قلوبكم واضطراب أفكاركم { بماء معين * } أي جار دائماً لا ينقطع أو {[67180]}ظاهراً للأعين{[67181]} سهل المأخذ{[67182]} إلا الله رب العالمين ، فإنه هو القادر على ذلك{[67183]} ، فقد رجع ذلك الآخر كما ترى على ذلك الأول ، وعانقه على أحسن وجه وأكمل - والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.