{ ماء بقدر } : أي على قدر الحاجة ولم يجعله طوفاناً مغرقاً ومهلكاً .
{ فأنشرنا به بلدة ميتا } : أي فَأَحْيَيْنَا به بلدة ميتا أي لا نبات فيها ولا زرع .
{ كذلك تخرجون } : أي مثل هذا الإِحياء للأرض الميتة بالماء تحيون أنتم وتخرجون من قبوركم .
وقوله { فأنشرنا } أي أحيينا بذلك المطر بلدة ميتا أي أرضا يابسة لإنبات فيها ولا زرع . وقوله { كذلك تخرجون } أي مثل ذلك الأحياء للأرض الميتة يحييكم تعالى ويخرجكم من قبوركم أحياء .
قوله تعالى : " والذي نزل من السماء ماء بقدر " قال ابن عباس : أي لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم ، بل هو بقدر لا طوفان مغرق ولا قاصر عن الحاجة ، حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم . " فأنشرنا " أي أحيينا . " به " أي بالماء .
" بلدة ميتا " أي مقفرة من النبات . " كذلك تخرجون " أي من قبوركم ؛ لأن من قدر على هذا قدر على ذلك . وقد مضى في " الأعراف " مجودا{[13587]} . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر " يخرجون " بفتح الياء وضم الراء . الباقون على الفعل المجهول .
ولما كان إنزال الماء من العلو في غاية العجب لا سيما إذا كان في وقت دون وقت ، وكان إنبات النبات به أعجب ، وكان دالاً على البعث ولا بد ، وكان مقصود السورة أنه لا بد من ردهم عن عنادهم بأعظم الكفران إلى الإيمان ، والخضوع له بغاية الإذعان ، قال دالاً على كمال القدرة على ذلك وغيره بالتنبيه على كمال الوصف بالعطف وبإعادة الموصول الدال على الفاعل المذكر بعظمته للتنبيه على أن الإعادة التي هذا دليلها هي سر الوجود ، فهي أشرف مما أريد من الآية الماضية بمهد الأرض وسلك السبل : { والذي نزل } أي بحسب التدريج ، ولولا قدرته الباهرة لكان دفعة واحدة أو قريباً منها { من السماء } أي المحل العالي { ماء } عذباً لزروعكم وثماركم وشربكم بأنفسكم وأنعامكم { بقدر } وهو بحيث ينفع الناس ولا يضر بأن يكون على مقدار حاجاتهم ، ودل على عظمة الإنبات بلفت القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على أنه الدليل الظاهر على ما وصل به من نشر الأموات فقال مسبباً عن ذلك : { فأنشرنا } أي أحيينا ، والمادة تدور على الحركة والامتداد والانبساط { به } أي الماء { بلدة } أي مكاناً يجتمع الناس فيه للإقامة معتنون بإحيائه متعاونون على دوام إبقائه { ميتاً } أي كان قد يبس نباته وعجز أهله عن إيصال الماء إليه ليحيى به ، ولعله أنث البلد وذكر الميت إشارة إلى أن بلوغها في الضعف والموت بلغ الغاية بضعف أرضه في نفسها وضعف أهله عن إحيائه وقحط الزمان واضمحلال ما كان به من النبات .
ولما كان لا فرق بين جمع الماء للنبات من أعماق الأرض بعد أن كان تراباً من جملة ترابها وإخراجه كما كان رابياً يهتز بالحياة على هيئته وألوانه وما كان من تفاريعه أغصانه بأمر الله وبين جميع الله تعالى لما تفتت من أجساد الآدميين وإخراجه كما كان بروحه وجميع جواهره وأعراضه إلا أن الله قادر بكل اعتبار وفي كل وقت بلا شرط أصلاً ، والماء لا قدرة له إلا بتقدير الله تعالى ، كان فخراً عظيماً لأن تنتهز الفرصة لتقدير ما هم له منكرون وبه يكفرون من أمر البعث ، فقال تعالى إيقاظاً لهم من رقدتهم بعثاً من موت سكرتهم : { كذلك } أي مثل هذا الإخراج العظيم لما تشاهدونه من النبات { تخرجون } من الموت الحسي والمعنوي بأيسر أمر من أمره تعالى وأسهل شأن فتخرجون في زمرة الأموات من الأرض ثانياً{ فإذا أنتم بشر تنتشرون }[ الروم : 20 ] وتخرجون من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان فإذا أنتم حكماء عالمون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.