ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين ، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبأ بهم شيئا ، وأن يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه ، ووعده الله بالكفاية بقوله : { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي : بمرأى منا وحفظ ، واعتناء بأمرك ، وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة ، فقال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أي : من الليل .
ولما كان العلم المحيط من الملك القاهر أعظم مسل للولي وأكبر مخيف للعدو ، قال عاطفاً على { فذرهم } أو على ما تقديره : فكن أنت العلماء بذلك ليكون فيه لك أعظم تسلية : { واصبر } أي أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت فيه من أداء الرسالة وما لها من الكلف من أذى الناس وغيره ولكونه في مقام الإعراض{[61650]} عن الكفار وكون إعراضه عنهم أصعب عليه من مقاساة إنذاره وإن نشأ عنها تكذيبهم واستهزاؤهم ، اشتدت العناية هنا بالصبر فقدم ، وأيضاً فإن الإعراض عنهم مقتض لعدهم فانين ، وذلك هو مقام الجمع ، والجمع لا يصلح إلا بالفرق ، فلذلك قدم الأمر بالصبر ، وذكر الحكم إشارة إلى أنه متمكن في مقام الفرق كما أنه عريق في مقام الجمع بخلاف المدثر ، فإن سياقها للإنذار الناشىء عنه غاية الأذى فاشتدت العناية هناك{[61651]} بتقديم ذكر الإله نظراً إلى الفناء عن الفانين وإن كان مباشراً لدعائهم ، وعبر بما يذكر بحسن التربية زيادة في التعزية فاقتضى هذا السياق أن رغبه سبحانه بقوله : { لحكم ربك } أي المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك ولو لم يرده لم يكن شيء منه ، فهو إحسان منه{[61652]} إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم ، وسبب عن ذلك قوله لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات الامتحان من نوع نسيان : { فإنك بأعيننا } جمع لما اقتضته نون العظمة{[61653]} التي هذا سياقها ، وهي ظاهرة في الجمع وإشارة إلى أنه محفوف بالجنود الذين رؤيتهم من رؤيته سبحانه فهو مكلوء مرعى به وبجنوده وفاعل في حفظه فعل من له أعين محيطة بمحفظه من كل جهة من جهاته .
ولما كانت الطاعة أعظم ناصر وأكبر معز ، وكانت الصلاة أعظمها قال : { وسبح } أي أوقع التنزيه عن شائبة كل نقص بالقلب واللسان والأركان ، متلبساً { بحمد ربك } أي المحسن إليك ، فأثبت له{[61654]} كل كمال مع تنزيهه له عن كل نقص ، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يريد إلا ما{[61655]} هو حكمة بالغة { حين تقوم * } أي من الليل في جميع الأوقات التي هي مظنة القيام على الأمور الدنيوية والأشغال النفسانية ، وهي أوقات النهار الذي هو{[61656]} للانتشار بصلاة الصبح والظهر والعصر ، وتحتمل العبارة التسبيح عند كل قيام بكفارة المجلس وهو{[61657]} " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك " فإنها تكفر ما كان في المجلس - كما رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح غريب والنسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله : { واصبر لحكم ربك } أي اصبر على أذى المشركين وامض لما أمرك الله به من تبليغ الرسالة للناس فلا تعبأ بكيدهم وتكذيبهم وبما يواجهونك به من الصدود والجحود والمكاره .
قوله : { فإنك بأعيينا } أي بكلاءتنا ورعايتنا فنحوطك ونحرسك وندفع عنك شرور الظالمين المعتدين { وسبح بحمد ربك حين تقوم } أي يقول حين يقوم من نومه من فراشه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، والحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وقيل : يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول : سبحان الله وبحمده . أو سبحانك اللهم وبحمدك . وفي ذلك أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم بحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.