محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (48)

{ واصبر لحكم ربك } أي الذي حكم به عليك ، وامض لأمره ونهيه ، وبلغ رسالاته . { فإنك بأعيننا } قال ابن جرير :{[6798]} أي بمرأى منا ، نراك ونرى عملك ، ونحن نحوطك ونحفظك ، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين .

وقال الشهاب : يعني أن العين ، لما كان بها الحفظ والحراسة ، استعيرت لذلك ، وللحافظ نفسه ، كما تسمى ( الربيئة ) عينا ، وهو استعمال فصيح مشهور . ونكتة جمع ( العين ) هنا وإفرادها في قصة الكليم ، عدا عن أنه جمع هنا لما أضيف لضمير الجمع ، ووحد ثمة لإضافته لضمير الواحد ، هو المبالغة في الحفظ ، حتى كأنه معه جماعة حفظة له بأعينهم ، لأن المقصود تصبير حبيبه على المكايد ومشاقّ التكاليف والطاعة . فناسب الجمع ، لأنها أفعال كثيرة ، يحتاج كل منها إلى حارس بل حراس . بخلاف ما ذكر هناك من كلاءة موسى عليه السلام { وسبح بحمد ربك حين تقوم } أي من منامك .

روى الإمام أحمد {[6799]} عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من تعارّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . ثم قال : رب اغفر لي ( أو قال : ثم دعا ) استجيب له . فإن عزم فتوضأ ثم صلى ، قبلت صلاته ) . وأخرجه البخاريّ {[6800]} في ( صحيحه ) وأهل ( السنن ( .

وورد من أذكار الاستيقاظ من النوم قال : سبحان الله وبحمده ، سبحان القدوس . و : لا إله إلا أنت ، سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمتك . اللهم زدني علما . ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .

وقيل : حين تقوم إلى الصلاة – روى مسلم{[6801]} في ( صحيحه ) عن عمر ؛ ( أنه كان يقول في / ابتداء الصلاة : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ) . ورواه أحمد وأهل ( السنن ) عن أبي سعيد وغيره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه كان يقول ذلك . وعن مجاهد : حين تقوم من كل مجلس . وكذا قال عطاء وأبو الأحوص .

روى أبو هريرة{[6802]} عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من جلس في مجلس ، فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أستغفرك وأتوب إليك – إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك ) – رواه الترمذيّ وصححه ، وكذا الحاكم .

وأخرجه أبو داود {[6803]} والنسائيّ والحاكم عن أبي برزة الأسلميّ قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة ، إذا أراد أن يقوم من المجلس : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك . فقال رجل : يا رسول الله ! إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى ؟ ! قال : كفارة لما يكون في المجلس ! ) .

وقد أفرد الحافظ ابن كثير لهذا الحديث جزءا على حدة ، ذكر فيه طرقه وألفاظه ، وعلّله ، فرحمه الله .

ولا يخفى أن لفظ الآية يصدق بالمواضع المذكورة كلها ، وتدل الأحاديث المذكورة على الأخذ بعمومها ، فإن السنة بيان للكتاب الكريم .


[6798]:انظر الصفحة رقم 37 من الجزء السابع والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(
[6799]:أخرجه في المسند بالصفحة رقم 313 من الجزء الخامس(طبعة الحلبي(.
[6800]:أخرجه في: 19 – كتاب التهجد، 21 – باب حدثنا علي بن عبد الله، حديث رقم 634.
[6801]:أخرجه في: 4 – كتاب الصلاة، حديث رقم 52(طبعتنا(
[6802]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده بالصفحة رقم 424 من الجزء الثاني)طبعة الحلبي(.
[6803]:أخرجه في: 40 – كتاب الأدب، 27 – باب في كفارة المجلس، حديث 4859.