اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (48)

قوله تعالى { واصبر لِحُكْمِ } . أي إلى أن يقع بهم العذاب الذي حكمت عليهم «فَإنَّكَ بِأَعْيُنِنَا » قراءة العامة بالفك ، وأبو السَّمَّال بإدغام النون فيما بعدها{[53318]} . وناسب جمع الضمير هنا جمع العين ألا تراه أفرد حَيْثُ أفردها في قوله : { وَلِتُصْنَعَ على عيني } [ طه : 39 ] . قاله الزمخشري{[53319]} . والمعنى : فَإنك بِمرأًى مِنَّا .

قال ابن عباس : نَرَى ما يُعْمَلُ بك . وقال الزجاج : إنك بحيث نراك ونحفظك فلا يصلون إلى مَكْرُوهِكَ{[53320]} .

قال ابن الخطيب : اللام في قوله «لِحُكْمِ رَبِّكَ » تحتمل وجوهاً :

أحدها : هي بمعنى «إلى » أي اصبر إلى أن يحكم الله .

الثاني : أن الصبر فيه معنى الثبات أي تَثَبَّت لحكم ربك واحْتَمِلْهُ .

الثالث : هي اللام التي للسبب ، يقال : لِم خرجت ؟ فتقول : لحكم فلان عليَّ بالخروج ، فقال : فَاصْبِرْ واجعل سبب الصبر امتثال الأمر ، أي فاصبر لهذا الحكم عليك لا لشيءٍ آخر{[53321]} .

قوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } تقدم الكلام على نظيره{[53322]} وقوله : «حِينَ تَقُومُ » قال سعيد بن جبير وعطاء : أي قل حين تقوم من مجلسك : سُبْحَانك اللهم وبحمدك ، فإن كان المجلس خيراً ازددتَ إحساناً وإن كان غير ذلك كان كفارةً له .

وروى أبو هريرة قال : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً وكَثُر فيه لَغَطُهُ فقال قبل أن يقوم : سُبْحَانَكَ اللَّهُ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلاَّ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا » وقال ابن عباس ( - رضي الله{[53323]} عنهما - ) : معناه : صَلِّ لله حين تقوم من مقامك . وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل : سبحانَك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك . وقال الكلبي : هو ذكر الله باللسان «حِينَ تَقُومُ » من الفراش إلى أن تدخل في الصلاة ، لِمَا رَوَى عاصمُ بنُ حُمَيْدٍ قال : «سألتُ عائشةَ بأيِّ شيءٍ كان يَفْتَتِحُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قيامَ الليل ؟ فقالت : كان إذا قَامَ كَبَّر عَشْراً ، وحَمِدَ الله عشراً وهَلَّلَ عَشْراً واسْتَغْفَر عَشْراً وقال : اللهم اغْفِرْ لي واهْدِنِي وارْزُقْنِي وعَافِنِي ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة » وقيل : حين تقوم لأمر ما ولاسيما إذا كنت تَنْتَصِبُ لمُجَاهَدةِ قومك ومُعَادَاتِهِم والدعاء عليهم «فسبح بحمد ربك » وبدل قيامك بالمناداة ، وانتصابك للانتقام بقيامك بذكر الله وتسبيحه{[53324]} .


[53318]:فتكون هكذا: بأعيُنّا. وهي شاذة. انظر الكشاف 4/26 و27، والبحر 8/153.
[53319]:الكشاف المرجع السابق.
[53320]:معاني القرآن وإعرابه له 5/68.
[53321]:بالمعنى من تفسير الإمام 28/274 و275.
[53322]:في سورة "ق" من قوله: {فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}.
[53323]:سقط من ب.
[53324]:وانظر البغوي والخازن في معالم التنزيل ولباب التأويل 6/254.