بغير سلطان : بغير دليل ولا حجة .
اعلم يا محمد أن الذين يجادلونك في دين الله بغير حجّةٍ أو برهان يعلمونه إنما يدفعهم إلى ذلك ما يجدونه في صدورهم من الكيد والحسد ، وعنادُهم وطمعهم في أن يغلبوك .
وما هم ببالغي إرادتهم ، ولن يصِلوا إلى ذلك أبدا .
ثم أمر رسوله أن يستعيذ من هؤلاء المجادلين المستكبرين بقوله :
{ فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع البصير }
الجأ إلى الله واستعنْ به فهو السميع لأقوالهم ، البصيرُ بأفعالهم .
{ 56 } { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
يخبر تعالى أن من جادل في آياته ليبطلها بالباطل ، بغير بينة من أمره ولا حجة ، إن هذا صادر من كبر في صدورهم على الحق وعلى من جاء به ، يريدون الاستعلاء عليه بما معهم من الباطل ، فهذا قصدهم ومرادهم .
ولكن هذا لا يتم لهم وليسوا ببالغيه ، فهذا نص صريح ، وبشارة ، بأن كل من جادل الحق أنه مغلوب ، وكل من تكبر عليه فهو في نهايته ذليل .
{ فَاسْتَعِذْ } أي : اعتصم والجأ { بِاللَّهِ } ولم يذكر ما يستعيذ ، إرادة للعموم . أي : استعذ بالله من الكبر الذي يوجب التكبر على الحق ، واستعذ بالله من شياطين الإنس والجن ، واستعذ بالله من جميع الشرور .
{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لجميع الأصوات على اختلافها ، { الْبَصِيرُ } بجميع المرئيات ، بأي محل وموضع وزمان كانت .
قوله تعالى : " إن الذين يجادلون " يخاصمون " في آيات الله بغير سلطان " أي حجة " أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه " قال الزجاج : المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه . قدره على الحذف . وقال غيره : المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف ؛ لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم أن اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم قل ارتفاعهم ، ونقصت أحوالهم ، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعا ، فأعلم الله عز وجل أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب . والمراد المشركون . وقيل : اليهود ، فالآية مدنية على هذا كما تقدم أول السور . والمعنى : إن تعظموا عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن الدجال سيخرج عن قريب فيرد الملك إلينا ، وتسير معه الأنهار ، وهو آية من آيات الله فذلك كبر لا يبلغونه{[13385]} فنزلت الآية فيهم . قال أبو العالية وغيره . وقد تقدم في " آل عمران " {[13386]} أنه يخرج ويطأ البلاد كلها إلا مكة والمدينة . وقد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب التذكرة . وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف .
وقيل : كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم . وهذا حسن ؛ لأنه يعم . وقال مجاهد : معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها والمعنى واحد . وقيل : المراد بالكبر الأمر الكبير أي يطلبون النبوة أو أمرا كبيرا يصلون به إليك من القتل ونحوه ، ولا يبلغون ذلك . أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ولا يبلغونه .
قوله تعالى : " فاستعذ بالله " قيل : من فتنة الدجال على قول من قال إن الآية نزلت في اليهود . وعلى القول الآخر من شر الكفار . قيل : من مثل ما ابتلوا به من الكفر والكبر . " إنه هو السميع البصير " " هو " يكون فاصلا ويكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر إن على ما تقدم .
قوله : { إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } ذلك تنديد من الله بالمشركين الظالمين الذين يخاصمون في آيات الله وهي كتبه المنزلة من عند الله وما فيها من أحكام وأخبار وأدلة ومعجزات { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } أي يخاصمون في كل ذلك بغير برهان ظاهر ولا حجة نَيِّرة . وهذا عام في كل مجادل مُبْطل يخاصم في آيات الله سفها بغير علم ولا حجة { إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } الجملة في موضع رفع خبر { إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ } و { إن } نافية ؛ أي ما في قلوب هؤلاء المخاصمين الذين يحاجّون بالباطل إلا الغرور والاستكبار عن الحق وعن التعلم والاستفسار وطلب المعرفة . أو هو إرادة الرياسة أو أن تكون لهم النبوة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا من عند أنفسهم .
قوله : { مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } أي ما هم ببالغي موجب كبرهم وما يقتضيه وهو متعلق إرادتهم من دفع الآيات أو من طمع في الرياسة أو النبوة . وقيل : المعنى ما يحملهم على تكذيبك يا محمد إلا ما في صدورهم من الكبر عليك ، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ؛ لأن الله قد أذلهم وأخزاهم .
قوله : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } أي احْتَم بالله والتجئ إليه من كيد الذين يحسدونك ويبغون عليك . والله جل وعلا يسمع ما تقولون ويقولون . وهو كذلك بصير بكم وبما تفعلون ويفعلون ، لا يخفى عليه من ذلك شيء . والله جل جلاله ناصرك ومؤيدك وعاصمك من كيد الظالمين والمتربصين والحاقدين ومكرهم{[4026]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.