يوم يقوم الأشهاد : يوم القيامة ، والأشهاد : الشهود الذين يشهدون على الناس .
ثم بين الله تعالى أنه ينصر رسُله ، والذين آمنوا معهم في الحياة الدنيا ، { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } وهو يوم القيامة . وقد يكون الشهود من الإنسان نفسه كما قال تعالى { حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ فصلت : 20 ] .
{ 51 - 52 } { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }
لما ذكر عقوبة آل فرعون في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة ، وذكر حالة أهل النار الفظيعة ، الذين نابذوا رسله وحاربوهم ، قال : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : بالحجة والبرهان والنصر ، في الآخرة بالحكم لهم ولأتباعهم بالثواب ، ولمن حاربهم بشدة العقاب .
قوله تعالى : " إنا لننصر رسلنا " ويجوز حذف الضمة لثقلها فيقال : " رسْلنا " والمراد موسى عليه السلام . " والذين آمنوا في الحياة الدنيا " في موضع نصب عطف على الرسل ، والمراد المؤمن الذي وعظ . وقيل : هو عام في الرسل والمؤمنين ، ونصرهم بإعلاء الحجج وإفلاحها في قول أبي العالية . وقيل : بالانتقام من أعدائهم . قال السدي : ما قتل قوم قط نبيا أو قوما من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله عز وجل من ينتقم لهم ، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا .
قوله تعالى : " ويوم يقوم الأشهاد " يعني يوم القيامة . قال زيد بن أسلم : " الأشهاد " أربعة : الملائكة والنبيون والمؤمنون والأجساد . وقال مجاهد والسدي : " الأشهاد " الملائكة تشهد للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأمم بالتكذيب . وقال قتادة : الملائكة والأنبياء . ثم قيل : " الأشهاد " جمع شهيد مثل شريف وأشراف . وقال الزجاج : " الأشهاد " جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب . النحاس : ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ولا يقاس عليه ولكن ما جاء منه مسموعا أدي كما سمع ، وكان على حذف الزائد . وأجاز الأخفش والفراء : " ويوم تقوم الأشهاد " بالتاء على تأنيث الجماعة . وفي الحديث عن أبي الدرداء وبعض المحدثين يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقا على الله عز وجل أن يرد عنه نار جهنم ) ثم تلا : " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا " . وعنه عليه السلام أنه قال : ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله عز وجل يوم القيامة ملكا يحميه من النار ومن ذكر مسلما بشيء يشينه به وقفه الله عز وجل على جسر من جهنم حتى يخرج مما قال{[13384]} ) .
قوله تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ( 51 ) } .
ذلك إخبار من الله ووعد صِدْق ، ووعدُهُ حق ولن يخلف الله وعده ؛ فإنه جل وعلا ينصر عباده المرسلين الذين أرسلهم للناس هداةً منذرين ، وينصر الذين آمنوا معهم من عباده الطيبين المتقين . ينصرهم الله جميعا في الدنيا ؛ إذ يجعل لهم الغلبة والاستعلاء والهيمنة . أو يكتب الله لدينه الظهور والشيوع والانتشار . وذلك نصر من الله ، إذ يوفق الله عباده للإقبال على دينه الحق . الدين المبرأ من الشرك والزيف والضلال . وهو الذي بني على التوحيد وإفراد الله وحده بالإلهية والربوبية والحاكمية والإذعان لجلاله بالخضوع والاستسلام ، وذلكم هو الإسلام الذي اجتمعت على أركانه وقواعده الثوابت كلمة النبيين والمرسلين جميعا . أولئك الذين اجتمعوا على التوحيد وعبادة الله وحده دون غيره من الأرباب والأوثان والأنداد على اختلاف صورها ومسمياتها .
فإذا كتب الله لدينه الظهور والشيوع والانتشار فلا جرم أن يكون ذلك نصرا عظيما من الله كتبه لرسله والذين آمنوا معهم ، وذلك في الحياة الدنيا ، سواء كان هذا النصر في حياتهم أو عقب مماتهم وغيابهم عن هذه الدنيا . وبذلك لا ينبغي أن يقال : إن بعض النبيين عليهم الصلاة والسلام قتله قومه كيحيى وزكريا وشعيبا .
ومنهم من خرج من بين أظهرهم : إما مهاجرا كإبراهيم ، وإما إلى السماء كعيسى ابن مريم ، فأين النصرة في الدنيا ؟ فالمراد بالنصر هو الانتصار لهم ممن أذاهم سواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم فإن الله منتقم لعباده المؤمنين ممن آذاهم وظلمهم فيأخذهم بالنوازل والنقم جزاء اعتدائهم على أنبياء الله والمؤمنين . وإذا أخذ الله قوما بسبب ظلمهم وطغيانهم وعدوانهم على المسلمين فلا جرم أن يكو أخْذُه أليما شديدا ، وأن ينتقم من الطغاة والمستبدين والمجرمين أفظع انتقام ، فضلا عما يكتبه الله لدينه الحق ، دين التوحيد – من الشيوع والظهور والانتشار .
قوله : { وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } { الأشهاد } يجوز أن يكون جمع شهيد . وأن يكون جمع شاهد{[4025]} والمراد بهم الأنبياء والحفظة ؛ فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب ؛ وأما الحفظة فيشهدون على بني آدم بما عملوا من الأعمال في الدنيا . وحينئذ تكون النصرة من الله لرسله والمؤمنين أجلَّ وأعظم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.