تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف مدنية وآياتها أربع عشرة ، نزلت بعد سورة التغابن ، وهي من السور المدنية التي تضمنت بعض الأحكام التشريعية ، وتهذيب الأخلاق . فبعد أن بدأت بالإخبار بأن كل ما في السموات والأرض يسبحون الله ، أشارت إلى أنه لا يليق بالمؤمنين أن يخالف قولهم عملهم ، فالله يطلب منا أن تطابق أفعالنا أقوالنا ، ومن أكبر الجرائم عند الله أن يقول الإنسان شيئا مخالفا لفعله .

ثم بعد أن أمرنا بالصدق في القول والعمل ، أمرنا أن نكون صفا واحدا في قتال العدو . ومقتضى ذلك أننا نكون صفا واحدا في أمور الحياة كلها ، فلا جهاد إلا مع انتظام الأحوال وصدق الأفعال والأقوال في جميع الأمور . فإذا انتظم داخلنا وصدَقنا في جميع معاملاتنا ، وكنا يدا واحدة-يئس منا العدو وانتصرنا عليه .

ولذلك قال بعد أن حثنا على الصدق : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } .

وسميت السورة " سورة الصف " أخذا من هذه الآية .

ثم وصمت السورة بني إسرائيل بالعناد والكفر على لسان رسولين كريمين هما موسى وعيسى عليهما السلام ، إذ زاغوا عنادا ، فختم الله على قلوبهم عندما كذبوا موسى ، وجاء بعده عيسى مصدقا بالتوراة مبشرا بمحمد صلى الله عليه وسلم فكذبه قومه أيضا . فليكن لك يا محمد أسوة بمن سبق من الأنبياء الذين صبروا على إيذاء قومهم وتكذيبهم . إن الله قد قضى أن من قام بالحق منصور ، ويا أيها المسلمون : إن الإيمان بالله والجهاد في سبيله هما الخلّتان اللتان تفوزون بهما في الدارين ، إذ لا فوز في الدنيا والآخرة إلا بعلم وعمل . والإيمان أفضل ما في العلم ، والجهاد أفضل ما في العمل . فلتكن فيكم الخصلتان والله يضمن لكم ثلاث خلال : غفران الذنوب ، ودخول الجنة ، والنصر المصحوب بالفتح القريب{ وبشر المؤمنين } . لماذا لا تقتدون بحواريّي عيسى إذ قالوا : { نحن أنصار الله } ، ونصرناهم على أعدائهم فأصبحوا ظاهرين عليهم . فإن أخلصتم في القول والعمل ، وصدقتم في جهادكم ونصركم لدينكم-ينصركم الله ويُظهركم على عدوكم . وقد صدق الله وعده .

قدّس اللهَ ونزّهه كلُّ شيء في هذا الكون : بعضُها بلسان الحال ، وبعضها بلسان المقال . وقد تقدم أن كل شيء في هذا الوجود يسبّح الله ، ويشهد له بالربوبية والوحدانية والقدرة وغيرها من صفات الكمال ، وهو الغالبُ على كل شيء ، الحكيم في تدبير خلقه .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف{[1]} وتسمى الحواريين .

مقصودها الحث{[2]} على الاجتهاد التام في{[3]} الاجتماع على قلب{[4]} واحد في جهاد من دعت الممتحنة إلى البراءة منهم ، بحملهم على الدين الحق ، أو محقهم عن جديد الأرض أقصى المحق ، تنزيها للملك{[5]} الأعلى عن الشرك ، وصيانة لجنابه الأقدس عن الإفك ، ودلالة على الصدق في البراءة منهم والعداوة لهم ، فهي{[6]} نتيجة سورة التوبة ، وأدل ما فيها على هذا المقصد الصف بتأمل آيته ، وتدبر ما له{[7]} من جليل النفع في أوله وأثنائه [ وغايته-{[8]} ] ، وكذا الحواريون ( بسم الله ) الملك الأعظم الذي له الأمر كله لأنه لا كفوء له ( الرحمان ) الذي عم بنعمة{[9]} البيان عما يرضيه ممن شاقه ، فقد شرك لكل أحد أن يرده أو يقبله ( الرحيم ) الذي خص{[10]} بإتمام الإنعام الموصل إلى دار السلام من شاء من عباده فهيأه لذلك وأهله .

لما ختمت الممتحنة بالأمر بتنزيهه سبحانه عن{[64786]} تولي من يخالف أمره بالتولي عنهم والبراءة منهم اتباعاً لأهل الصافات المتجردين عن كل ما سوى الله لا سيما عمن{[64787]} كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ، افتتحت الصف بما هو كالعلة لذلك فقال :{ سبح لله } أي أوقع التنزيه الأعظم للملك الأعظم الذي له{ ما في السموات } من جميع الأشياء التي لا يغفل من أفلاكها ونجومها وغير ذلك من{[64788]} جواهرها وأعراضها{[64789]} في طلوعها وأفولها وسيرها في ذهابها ورجوعها وإنشاء السحاب وإنزال المياه وغير ذلك . ولما كان الخطاب مع غير الخلص أكده فقال :{ وما في الأرض } أي بامتثال جميع ما يراد منه مما هو كالمأمور بالنسبة إلى أفعال العقلاء من نزول المياه وإخراج النبات من النجم والشجر وإنضاج الحبوب والثمار - وغير ذلك من الأمور الصغار والكبار .

ولما كان امتثال غير العاقل وعصيان العاقل ربما{[64790]} أوهم نقصاً قال :{ وهو } أي وحده لا شريك له { العزيز } أي العظيم النفع الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ، ويعسر الوصول إليه{[64791]} { الحكيم * } أي الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها ، فما مكّن العاقل من المعصية إلا لإظهار صفات الكمال من العلم والقدرة والحلم{[64792]} والكرم والرحمة والغضب وغير ذلك ، وقد علم بهذا التنزيه وختم آيته بهاتين الصفتين أنه تعالى منزه عما تضمنه يأس الكفار المذكور من{[64793]} أنه لا بعث وعن {[64794]}أن يجعل سبحانه لهم{[64795]} حظاً في الآخرة لأن كلاًّ من عدم البعث والتسوية بين المسيء والمحسن نقص{[64796]} .

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : افتتحت بالتسبيح لما ختمت به سورة الممتحنة من قوله

{ لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم }[ الممتحنة : 13 ] وهم اليهود ، {[64797]}وقد تقدم{[64798]} الإيماء إلى ما استوجبوا به هذا فأتبع بالتنزيه لما تقدم بيانه فإنه مما تعقب به ذكر جرائم المرتكبات ولا يرد في غير ذلك ، ثم أتبع ذلك بأمر العباد بالوفاء وهو الذي حد لهم{[64799]} في الممتحنة ليتنزهوا عن حال مستوجبي الغضب بنقيض الوفاء والمخالفة بالقلوب والألسنة{[64800]}{ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم }[ آل عمران : 167 ] .

{ لياً بألسنتهم وطعناً في الدين }[ النساء : 46 ] .

{ من الذين قالوا آمنا{[64801]} بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم }[ المائدة : 41 ] .

{ ويقولون آمنا بالله والرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم }[ النور : 47 ] وبمجموع هذا استجمعوا {[64802]}اللعنة والغضب فقيل للمؤمنين :{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون }[ الصف : 2 ] احذروا أن تشبه أحوالكم حال من استحق المقت واللعنة والغضب ، ثم أتبع بحسن الجزاء لمن{[64803]} وفى قولاً وعقداً ولساناً وضميراً ، وثبت على ما{[64804]} أمر به فقال :{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً }[ الصف : 4 ] الآية ثم تناسج ما بعد . ولما كان الوارد من هذا الغرض في سورة الممتحنة قد جاء على طريق{[64805]} الوصية وسبيل النصح والإشفاق ، أتبع في سورة الصف بصريح العتب في ذلك والإنكار ليكون بعد ما{[64806]} تمهد في السورة قبل أوقع في الزجر ، وتأمل كم بين قوله سبحانه :{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء }{[64807]}[ الممتحنة : 1 ] وما تضمنته من اللطف{[64808]} وبين قوله : { لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون }[ الصف : 2 ] انتهى .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[64786]:- من م، وفي الأصل وظ: عمن.
[64787]:- من م، وفي الأصل وظ: من.
[64788]:- من ظ وم، وفي الأصل: إعراضها وجواهرها.
[64789]:- من ظ وم، وفي الأصل: إعراضها وجواهرها.
[64790]:- من ظ وم، وفي الأصل: وبما.
[64791]:- زيد من ظ وم.
[64792]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحكم.
[64793]:- زيد من ظ وم.
[64794]:- من ظ وم، وفي الأصل: إنه يجعل لهم سبحانه.
[64795]:- من ظ وم، وفي الأصل: إنه يجعل لهم سبحانه.
[64796]:- من ظ وم، وفي الأصل: انتهى.
[64797]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[64798]:-من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[64799]:- من ظ وم، وفي الأصل: بهم.
[64800]:- زيد من ظ.
[64801]:- زيد من ظ وم.
[64802]:- في ظ: استحقوا.
[64803]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم.
[64804]:- زيد من ظ وم.
[64805]:- من ظ وم، وفي الأصل: سبيل.
[64806]:- زيد من ظ وم.
[64807]:- تكرر في الأصل فقط.
[64808]:- في م: التلطف.