المخلَّفون : واحدهم مخلّف ، وهو المتروك في المكان خلف الذين خرجوا منه . الأعراب : أهلُ البادية .
عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إلى مكة معتمراً دعا جميع المسلمين للخروج معه فتخلّف البدو من جهينة ومزينة وغفار وأشجعَ وأسلم وغيرهم وتعللوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم . والحقيقةُ أنهم كانوا ضِعاف الإيمان ، يخشون أن تقع الحرب . وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر . ففضحهم الله في هذه الآية لأنهم كاذبون يقولون خلاف ما يبطنون ، وأمر رسوله الكريم أن يرد عليهم بقوله : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ؟ } والله عليم بكل ما تعملون .
قرأ حمزة والكسائي : إن أراد بكم ضُرا بضم الضاد . وقرأ الباقون : ضَرا بفتح الضاد .
{ سيقول لك المخلفون من الأعراب } الآية لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة عام الحديبية استنفر من حول المدينة من الأعراب حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب فتثاقلوا عنه وخافوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنفسهم فأنزل الله تعالى { سيقول لك المخلفون } الذين خلفهم الله عن صحبتك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم عن التخلف { شغلتنا } عن الخروج معك { أموالنا وأهلونا } أي ليس لنا من يقوم فيها إذا خرجنا { فاستغفر لنا } تركنا الخروج معك ثم كذبهم الله تعالى في ذلك العذر فقال { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } ا لآية
قوله تعالى : " سيقول لك المخلفون من الأعراب " قال مجاهد وابن عباس : يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والديل ، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح ، بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه حذرا من قريش ، وأحرم بعمرة وساق معه الهدي ، ليعلم الناس أنه لا يريد حربا فتثاقلوا عنه واعتلوا بالشغل ، فنزلت . وإنما قال : " المخلفون " لأن الله خلفهم عن صحبة نبيه . والمخلف المتروك . وقد مضى في " التوبة " {[13996]} . " شغلتنا أموالنا وأهلونا " أي ليس لنا من يقوم بهما . " فاستغفر لنا " جاؤوا يطلبون الاستغفار واعتقادهم بخلاف ظاهرهم ، ففضحهم الله تعالى بقوله : " يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم " وهذا هو النفاق المحض .
قوله تعالى : " قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا " قرأ حمزة والكسائي " ضرا " بضم الضاد هنا فقط ، أي أمرا يضركم . وقال ابن عباس : الهزيمة . الباقون بالفتح ، وهو مصدر ضررته ضرا . وبالضم اسم لما ينال الإنسان من الهزال وسوء الحال . والمصدر يؤدي عن المرة وأكثر . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قالا : لأنه قابله بالنفع وهو ضد الضر . وقيل : هما لغتان بمعنى ، كالفَقر والفُقر والضَّعف والضُّعف . " أو أراد بكم نفعا " أي نصرا وغنيمة . وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن الرسول يدفع عنهم الضر ويعجل لهم النفع .
قوله تعالى : { سيقول لك المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعلمون خبيرا 11 بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا 12 ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا 13 ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما } .
يبين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ما يبديه له المنافقون الأعراب من المصانعة والمداهنة ، وهم في الحقيقة يكنون في أنفسهم النفاق والضغينة لرسول الله ولدينه وللمؤمنين . وهم لتحقيق بغيتهم الفاسدة لا يعبأون بحلف الأيمان الفاجرة على سبيل التقية والتكلف بالظهور بمظهر الصادقين الأوفياء ، والله يشهد لنبيه وللمؤمنين بأن هؤلاء منافقون مخادعون .
وذلكم هو قوله : { سيقول لك المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا } المراد بالأعراب ، الذين كانوا حول المدينة ، كغفار ومزينة وجهينة وغيرهم . فقد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح بعد أن استنفرهم ليخرجوا معه حذرا من قريش . وكان عليه الصلام والسلام قد أحرم بعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يبغي من سفره هذا حربا أو قتالا . لكن الأعراب من حول المدينة قد تثاقلوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واصطنعوا لأنفسهم المعاذير متعللين بها لعدم الخروج وهو قوله : { شغلتنا أموالنا وأهلونا } تعللوا بانشغالهم في الأهل والأموال زاعمين أنه ليس لهم من يقوم بهم إذا خرجوا من المدينة { فاستغفر لنا } يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسغفر لهم الله . وليس ذلك منهم على سبيل الاعتقاد واليقين أو الخوف من الله . بل على سبيل التّقية والمصانعة والنفاق ، فهم يخفون في أنفسهم غير ما تبديه ألسنتهم . وهو قوله : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } لا جرم أنهم منافقون مخادعون كاذبون ، يظهرون خلاف ما يبطنون ، والله جلا وعلا عليم بأسرارهم وحقيقة أخبارهم وما تنطوي عليه صدورهم فكشفهم حتى افتضح أمرهم .
قوله : { قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا } يعني : فمن يمنعكم من الله إن أراد بكم خيرا أو شرا ، أو أراد بكم نصرا أو هزيمة . فليس فراركم أو تخلفكم عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمنجّيكم مما هو مكتوب لكم في قدر الله . فليس من أحد بقادر على رد ما أراده الله لكم من حياة أو موت ، أو من نجاة أو هلاك .
قوله : { بل كان الله بما تعملون خبيرا } ذلك رد لما أظهروه من رقيق الكلام ولما تكلفوه من لين الحديث المصطنع ، فقد كشف الله حقيقتهم إذ بين لهم أنه يعلم ما تخفيه صدورهم ويعلم حقيقة أمرهم وأفعالهم ومقاصدهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.