قوله تعالى : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا " أي فعادوه ولا تطيعوه . ويدلكم على عداوته إخراجه أباكم من الجنة ، وضمانه إضلالكم في قوله : " ولأضلنهم ولأمنينهم " {[13100]} [ النساء : 119 ] الآية . وقوله : " لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم " {[13101]} [ الأعراف : 16 - 17 ] الآية . فأخبرنا جل وعز أن الشيطان لنا عدو مبين ، واقتص علينا قصته ، وما فعل بأبينا آدم صلى الله عليه وسلم ، وكيف انتدب لعداوتنا وغرورنا من قبل وجودنا وبعده ، ونحن على ذلك نتولاه ونطيعه فيما يريد منا مما فيه هلاكنا . وكان الفضيل بن عياض يقول : يا كذاب يا مفتر ، اتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر . وقال ابن السماك : يا عجبا لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه ! وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته ! وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " {[13102]} مجودا . و " عدو " في قوله : " إن الشيطان لكم عدو " يجوز أن يكون بمعنى معاد ، فيثنى ويجمع ويؤنث . ويكون بمعنى النسب فيكون موحدا بكل حال ؛ كما قال جل وعز : " فإنهم عدو لي " {[13103]} [ الشعراء : 77 ] . وفي المؤنث على هذا أيضا عدو . النحاس : فأما قول بعض النحويين إن الواو خفية فجاؤوا بالهاء فخطأ ، بل الواو حرف جلد . " إنما يدعو حزبه " كفت " ما " " إن " عن العمل فوقع بعدها الفعل . " حزبه " أي أشياعه . " ليكونوا من أصحاب السعير " فهذه عداوته .
قوله : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } الشيطان الغرور هو العدو الأول للإنسان . وهو لفساد خلقته وعظيم خبثه شديد الكراهية للإنسان ، لما يجده في نفسه من أنه قد هوى في الضلال والجحيم عقب عصيانه أمرَ ربه بالسجود لآدم فأخرجه الله من رحمته مذموما مدحورا .
على أن الشيطان من الجن . فهو ذو جِبِلَّةٍ غريبة خلقت من نار مستعرة تلتهم كل شيء تمسه ليستحيل إلى رماد . وكذلك الشيطان فإنه كائن جِنّي مُبْغِض لآدم وذريته ؛ وهو بذلك شديد العداوة للإنسان فما يَمَلُّ ولا يكَلُّ من طول الكيد لبني آدم من أجل أن يغويهم ويلهيهم عن دين الله ويغْرِقهم في اللذات والموبقات بما يفضي بهم إلى الخسران وسوء المصير . وبذلك يحذّر الله عباده من طغيان الشيطان عليهم وإغوائه لهم باتخاذه عدوّا لهم . لا جرم أن الشيطان عدو مضلّ مبين ، لا مناص لمن يبتغي السلامة والسداد والنجاة من اتخاذه عدوّا لينجو من كيده وخداعه وإغوائه .
وحريٌّ بالذكر هنا أن من البشر أنفسهم شياطين أنجاسا ماكرين ، وهم غواة أشرار ، وأشقياء فجار يكيدون لدين الله الحق أبلغ كيد ، ويتمالئون على الإنسانية لإطغائها وإغوائها وإغراقها في الكفر والمعاصي والفساد . أولئك صنف خبيث من طغاة الشر يدأبون في كل الآناء والأوقات على إفساد الأفراد وتدمير المجتمعات بما يسوّلونه لهم من الشرك والضلال وفعل الخطايا والمنكرات . أولئك شياطين أشرار ماكرون لُدٌّ ، خليق بالعباد أن يحذروهم لينجوا من كيدهم وإفسادهم .
قوله : { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } حزب الشيطان : يعني أتباعه وأشياعه وأولياءه . وهم الذين سلكوا سبيل الضلال في الغيِّ والخسران . أولئك الذين يدعوهم الشيطان ليطيعوه ويتبعوا خطواته ثم يسوقهم معه إلى النار{[3840]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.